responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 1  صفحة : 79
فَإِنْ قَالَ كُلُّ قِيَاسٍ حَقٌّ أَحَالَ، لِأَنَّ الْمَقَايِيسَ تَتَعَارَضُ وَيُبْطِلُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ وَضِدُّهُ مِنْ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ حَقًّا مَعًا، وَلَيْسَ هَذَا مَكَانَ نَسْخٍ وَلَا تَخْصِيصٍ، كَالْأَخْبَارِ الْمُتَعَارِضَةِ الَّتِي يَنْسَخُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَيُخَصِّصُ بَعْضُهَا بَعْضًا. وَإِنْ قَالَ مِنْهَا حَقٌّ وَمِنْهَا بَاطِلٌ، قِيلَ لَهُ فَعَرِّفْنَا بِمَاذَا تَعْرِفُ الْقِيَاسَ الصَّحِيحَ مِنْ الْفَاسِدِ، وَلَا سَبِيلَ لَهُمْ إلَى وُجُودِ ذَلِكَ أَبَدًا، وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ دَلِيلٌ عَلَى تَصْحِيحِ الصَّحِيحِ مِنْ الْقِيَاسِ مِنْ الْبَاطِلِ مِنْهُ، فَقَدْ بَطَلَ كُلُّهُ وَصَارَ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ، فَإِنْ ادَّعَوْا أَنَّ الْقِيَاسَ قَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ سَأَلُوا أَيْنَ وَجَدُوا ذَلِكَ، فَإِنْ قَالُوا: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} [الحشر: 2] قِيلَ لَهُمْ: إنَّ الِاعْتِبَارَ لَيْسَ هُوَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الَّذِي نَزَلَ بِهِ الْقُرْآنُ إلَّا التَّعَجُّبَ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً} [النحل: 66] أَيْ لَعَجَبًا. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ} [يوسف: 111] أَيْ عَجَبٌ، وَمِنْ الْعَجِيبِ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الِاعْتِبَارِ الْقِيَاسَ، وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا قِيسُوا، ثُمَّ لَا يُبَيِّنُ لَنَا مَاذَا نَقِيسُ وَلَا كَيْفَ نَقِيسُ وَلَا عَلَى مَاذَا نَقِيسُ. هَذَا مَا لَا سَبِيلَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعِ أَحَدٍ أَنْ يَعْلَمَ شَيْئًا مِنْ الدِّينِ إلَّا بِتَعْلِيمِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ إيَّاهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] فَإِنْ ذَكَرُوا أَحَادِيثَ وَآيَاتٍ فِيهَا تَشْبِيهُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ، وَأَنَّ اللَّهَ قَضَى وَحَكَمَ بِأَمْرِ كَذَا مِنْ أَجْلِ أَمْرِ كَذَا، قُلْنَا لَهُمْ: كُلُّ مَا قَالَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ حَقٌّ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ خِلَافُهُ، وَهُوَ نَصٌّ بِهِ نَقُولُ: وَكُلُّ مَا تُرِيدُونَ أَنْ تُشَبِّهُوهُ فِي الدِّينِ وَأَنْ تُعَلِّلُوهُ مِمَّا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَهُوَ بَاطِلٌ وَلَا بُدَّ وَشَرْعٌ لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَهَذَا يُبْطِلُ عَلَيْهِمْ تَهْوِيلَهُمْ بِذِكْرِ آيَةِ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَ «أَرَأَيْتَ لَوْ مَضْمَضْتَ» وَ {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} [المائدة: 32] . وَكُلُّ آيَةٍ وَحَدِيثٍ مَوَّهُوا بِإِيرَادِهِ هُوَ مَعَ ذَلِكَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَاهُ فِي كِتَابِ (الْإِحْكَامِ لِأُصُولِ الْأَحْكَامِ) وَفِي كِتَابِ النُّكَتِ وَفِي كِتَابِ الدُّرَّةِ وَفِي كِتَابِ النُّبْذَةِ قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ عَارَضْنَاهُمْ فِي كُلِّ قِيَاسٍ قَاسُوهُ بِقِيَاسٍ مِثْلِهِ وَأَوْضَحَ مِنْهُ عَلَى أُصُولِهِمْ لِنُرِيَهُمْ فَسَادَ الْقِيَاسِ جُمْلَةً، فَمَوَّهَ مِنْهُمْ مُمَوِّهُونَ بِأَنْ قَالُوا: أَنْتُمْ دَأَبًا تُبْطِلُونَ الْقِيَاسَ بِالْقِيَاسِ، وَهَذَا مِنْكُمْ رُجُوعٌ إلَى الْقِيَاسِ وَاحْتِجَاجٌ بِهِ، وَأَنْتُمْ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمُحْتَجِّ عَلَى غَيْرِهِ بِحُجَّةِ الْعَقْلِ لِيُبْطِلَ حُجَّةَ الْعَقْلِ وَبِدَلِيلٍ مِنْ النَّظَرِ لِيُبْطِلَ بِهِ النَّظَرَ قَالَ عَلِيٌّ: فَقُلْنَا هَذَا شَغَبٌ سَهْلٌ إفْسَادُهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَنَحْنُ لَمْ نَحْتَجَّ بِالْقِيَاسِ

اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 1  صفحة : 79
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست