responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 1  صفحة : 335
الْخُفَّيْنِ وَغَسَلَ مَا انْكَشَفَ مِنْ الْقَدَمِ أَوْ الْقَدَمَيْنِ وَصَلَّى، فَإِنْ لَمْ يَغْسِلْ مَا ظَهَرَ أَعَادَ الصَّلَاةَ.
قَالَ عَلِيٌّ: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ مَا احْتَجَّتْ بِهِ كُلُّ طَائِفَةٍ لِقَوْلِهَا، فَوَجَدْنَا قَوْلَ مَالِكٍ لَا مَعْنَى لَهُ، لِأَنَّهُ مَنَعَ مِنْ الْمَسْحِ فِي حَالٍ مَا وَأَبَاحَهُ فِي حَالٍ أُخْرَى، وَلَمْ يُبَيِّنْ لِمُقَلَّدِيهِ وَلَا لِمُرِيدِي مَعْرِفَةِ قَوْلِهِ وَلَا لِمَنْ اسْتَفْتَاهُ، مَا هِيَ الْحَالُ الَّتِي يَحِلُّ فِيهَا الْمَسْحُ، وَلَا مَا الْحَالُ الَّذِي يَحْرُمُ فِيهَا الْمَسْحُ فَهَذَا إنْشَابٌ لِلْمُسْتَفْتِي فِيمَا لَا يَعْرِفُ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ، وَدَعْوَى لَا بُرْهَانَ عَلَيْهَا، فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ.
ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَكَانَ تَحَكُّمًا بِلَا دَلِيلٍ، وَفَرْقًا بِلَا بُرْهَانٍ، لَا يَعْجِزُ عَنْ مِثْلِهِ أَحَدٌ، وَلَا يَحِلُّ الْقَوْلُ فِي الدِّينِ بِمِثْلِ هَذَا، وَأَيْضًا فَالْأَصَابِعُ تَخْتَلِفُ فِي الْكِبَرِ وَالصِّغَرِ تَفَاوُتًا شَدِيدًا، فَلَيْتَ شِعْرِي أَيَّ الْأَصَابِعِ أَرَادَ وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا سَبَقَهُ إلَى هَذَا الْقَوْلِ مَعَ فَسَادِهِ، فَسَقَطَ أَيْضًا هَذَا الْقَوْلُ بِيَقِينٍ.
ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فَوَجَدْنَا حُجَّتَهُمْ أَنَّ فَرْضَ الرِّجْلَيْنِ الْغُسْلُ إنْ كَانَتَا مَكْشُوفَتَيْنِ أَوْ الْمَسْحُ إنْ كَانَتَا مَسْتُورَتَيْنِ، فَإِذَا انْكَشَفَ شَيْءٌ مِنْهُمَا وَإِنْ قَلَّ فَقَدْ انْكَشَفَ شَيْءٌ فَرْضُهُ الْغُسْلُ، قَالُوا: وَلَا يَجْتَمِعُ غُسْلٌ وَمَسْحٌ فِي رِجْلٍ وَاحِدَةٍ، مَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا.
قَالَ عَلِيٌّ: كُلُّ مَا قَالُوهُ صَحِيحٌ، إلَّا قَوْلَهُمْ إذَا انْكَشَفَ مِنْ الْقَدَمِ شَيْءٌ فَقَدْ انْكَشَفَ شَيْءٌ فَرْضُهُ الْغُسْلُ، فَإِنَّهُ قَوْلٌ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَلَا يُوَافَقُونَ عَلَيْهِ، إذْ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَا إجْمَاعٌ، لَكِنَّ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ مَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ الْمُبَيِّنَةُ لِلْقُرْآنِ مِنْ أَنَّ حُكْمَ الْقَدَمَيْنِ اللَّتَيْنِ لَيْسَ عَلَيْهِمَا شَيْءٌ مَلْبُوسٌ يُمْسَحُ عَلَيْهِ أَنْ يُغْسَلَا، وَحُكْمُهُمَا إذَا كَانَ عَلَيْهِمَا شَيْءٌ مَلْبُوسٌ أَنْ يُمْسَحَ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ، بِهَذَا جَاءَتْ السُّنَّةُ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] .
وَقَدْ عَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ أَمَرَ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَمَا يُلْبَسُ فِي الرِّجْلَيْنِ وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ - أَنَّ مِنْ الْخِفَافِ وَالْجَوَارِبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُلْبَسُ عَلَى الرِّجْلَيْنِ الْمُخَرَّقَ خَرْقًا فَاحِشًا أَوْ غَيْرَ فَاحِشٍ، وَغَيْرَ الْمُخَرَّقِ، وَالْأَحْمَرَ وَالْأَسْوَدَ وَالْأَبْيَضَ، وَالْجَدِيدَ وَالْبَالِيَ، فَمَا خَصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْضَ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ، وَلَوْ كَانَ حُكْمُ ذَلِكَ فِي الدِّينِ يَخْتَلِفُ لَمَا أَغْفَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُوحِيَ بِهِ، وَلَا أَهْمَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُفْتَرَضُ

اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 1  صفحة : 335
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست