responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 1  صفحة : 300
وَأَمَّا تَخْصِيصُ أَبِي حَنِيفَةَ لِرُبْعِ الرَّأْسِ أَوْ لِمِقْدَارِ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ فَفَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، فَإِنْ قَالُوا: هُوَ مِقْدَارُ النَّاصِيَةِ، قُلْنَا لَهُمْ: وَمَنْ لَكُمْ بِأَنَّ هَذَا هُوَ مِقْدَارُ النَّاصِيَةِ؟ وَالْأَصَابِعُ تَخْتَلِفُ، وَتَحْدِيدُ رُبْعِ الرَّأْسِ يَحْتَاجُ إلَى تَكْسِيرٍ وَمِسَاحَةٍ وَهَذَا بَاطِلٌ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي مَنْعِ الْمَسْحِ بِأُصْبُعٍ أَوْ بِأُصْبُعَيْنِ.
فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا أَرَدْنَا أَكْثَرَ الْيَدِ، قُلْنَا لَهُمْ: أَنْتُمْ لَا تُوجِبُونَ الْمَسْحَ بِالْيَدِ فَرْضًا، بَلْ تَقُولُونَ إنَّهُ لَوْ وَقَفَ تَحْتَ مِيزَابٍ فَمَسَّ الْمَاءُ مِنْهُ مِقْدَارَ رُبْعِ رَأْسِهِ أَجْزَأَهُ، فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ.
وَيُسْأَلُونَ أَيْضًا عَنْ قَوْلِهِمْ بِأَكْثَرِ الْيَدِ؟ فَإِنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ دَلِيلًا عَلَى تَصْحِيحِهِ، وَكَذَلِكَ يُسْأَلُونَ عَنْ اقْتِصَارِهِمْ عَلَى مِقْدَارِ النَّاصِيَةِ؟ فَإِنْ قَالُوا: اتِّبَاعًا لِلْخَبَرِ فِي ذَلِكَ، قِيلَ لَهُمْ: فَلِمَ تَعَدَّيْتُمْ النَّاصِيَةَ إلَى مُؤَخَّرِ الرَّأْسَ؟ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ تَعَدِّيكُمْ النَّاصِيَةَ إلَى غَيْرِهَا وَبَيْنَ تَعَدِّي مِقْدَارِهَا إلَى غَيْرِ مِقْدَارِهَا؟ وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ النَّصَّ لَمْ يَأْتِ بِمَسْحِ الشَّعْرِ فَيَكُونُ مَا قَالَ مِنْ مُرَاعَاةِ عَدَدِ الشَّعْرِ، وَإِنَّمَا جَاءَ الْقُرْآنُ بِمَسْحِ الرَّأْسِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يُرَاعَى إلَّا مَا يُسَمَّى مَسْحَ الرَّأْسِ فَقَطْ، وَالْخَبَرُ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ هُوَ بَعْضُ مَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ فَالْآيَةُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ الْخَبَرِ، وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ مَنْعٌ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْآيَةِ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى النَّاصِيَةِ فَقَطْ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

[مَسْأَلَةٌ مَسْحُ الْأُذُنَيْنِ]
199 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا مَسْحُ الْأُذُنَيْنِ فَلَيْسَا فَرْضًا، وَلَا هُمَا مِنْ الرَّأْسِ لِأَنَّ الْآثَارَ فِي ذَلِكَ وَاهِيَةٌ كُلُّهَا، قَدْ ذَكَرْنَا فَسَادَهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ، وَلَا يَخْتَلِفُ أَحَدٌ فِي أَنَّ الْبَيَاضَ الَّذِي بَيْنَ مَنَابِتِ الشَّعْرِ مِنْ الرَّأْسِ وَبَيْنَ الْأُذُنَيْنِ لَيْسَ هُوَ مِنْ الرَّأْسِ فِي حُكْمِ الْوُضُوءِ، فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ يَحُولُ بَيْنَ أَجْزَاءِ رَأْسِ الْحَيِّ عُضْوٌ لَيْسَ مِنْ الرَّأْسِ، وَأَنْ يَكُونَ بَعْضُ رَأْسِ الْحَيِّ مُبَايِنًا لِسَائِرِ رَأْسِهِ، وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ لَوَجَبَ حَلْقُ شَعْرِهِمَا فِي الْحَجِّ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ هَذَا.
وَقَدْ ذَكَرْنَا الْبُرْهَانَ عَلَى صِحَّةِ الِاقْتِصَارِ عَلَى بَعْضِ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ، فَلَوْ كَانَ الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ لَأَجْزَأَ أَنْ يُمْسَحَا عَنْ مَسْحِ الرَّأْسِ. وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ، وَيُقَالُ لَهُمْ: إنْ كَانَتَا مِنْ الرَّأْسِ فَمَا بَالُكُمْ تَأْخُذُونَ لَهُمَا مَاءً جَدِيدًا وَهُمَا بَعْضُ الرَّأْسِ؟ وَأَيْنَ رَأَيْتُمْ عُضْوًا يُجَدِّدُ لِبَعْضِهِ مَاءً غَيْرَ الْمَاءِ الَّذِي مَسَحَ بِهِ سَائِرَهُ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ الْأَثَرُ أَنَّهُمَا مِنْ الرَّأْسِ لَمَا كَانَ عَلَيْنَا فِي ذَلِكَ نَقْضٌ لِشَيْءٍ مِنْ أَقْوَالِنَا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 1  صفحة : 300
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست