responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 1  صفحة : 278
أَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ الْغُسْلَ إذَا كَانَ بِتَدَلُّكٍ فَقَدْ أُجْمِعَ عَلَى تَمَامِهِ وَلَمْ يُجْمَعْ عَلَى تَمَامِهِ دُونَ تَدَلُّكٍ فَقَوْلٌ فَاسِدٌ، أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا يَجِبُ أَنْ يُرَاعَى فِي الدِّينِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ الْإِجْمَاعِ فِيمَا صَحَّ وُجُوبُهُ مِنْ طَرِيقِ الْإِجْمَاعِ أَوْ صَحَّ تَحْرِيمُهُ مِنْ طَرِيقِ الْإِجْمَاعِ أَوْ صَحَّ تَحْلِيلُهُ مِنْ طَرِيقِ الْإِجْمَاعِ، فَهَذَا هُوَ الْحَقُّ: وَأَمَّا الْعَمَلُ الَّذِي ذَكَرُوا فَإِنَّمَا هُوَ إيجَابُ اتِّبَاعِ الِاخْتِلَافِ لَا وُجُوبُ اتِّبَاعِ الْإِجْمَاعِ.
وَهَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّ التَّدَلُّكَ لَمْ يُتَّفَقْ عَلَى وُجُوبِهِ وَلَا جَاءَ بِهِ نَصٌّ. وَفِي الْعَمَلِ الَّذِي ذَكَرُوا إيجَابُ الْقَوْلِ بِمَا لَا نَصَّ فِيهِ وَلَا إجْمَاعَ، وَهَذَا بَاطِلٌ، ثُمَّ هُمْ أَوَّلُ مَنْ نَقَضَ هَذَا الْأَصْلَ، وَإِنْ اتَّبَعُوهُ بَطَلَ عَلَيْهِمْ أَكْثَرُ مِنْ تِسْعَةِ أَعْشَارِ مَذَاهِبِهِمْ، أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُقَالُ لَهُمْ إنْ اغْتَسَلَ وَلَمْ يُمَضْمِضْ وَلَا اسْتَنْشَقَ فَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ لَا غُسْلَ لَهُ وَلَا تَحِلُّ لَهُ الصَّلَاةُ بِهَذَا الِاغْتِسَالِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: فَيَلْزَمُكُمْ إيجَابُ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ فِي الْغُسْلِ فَرْضًا لِأَنَّهُمَا إنْ أَتَى بِهِمَا الْمُغْتَسِلُ فَقَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ اغْتَسَلَ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِمَا فَلَمْ يَصِحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ اغْتَسَلَ، فَالْوَاجِبُ أَنْ لَا يَزُولَ حُكْمُ الْجَنَابَةِ إلَّا بِالْإِجْمَاعِ. وَهَكَذَا فِيمَنْ اغْتَسَلَ بِمَاءٍ مِنْ بِئْرٍ قَدْ بَالَتْ فِيهِ شَاةٌ فَلَمْ يَظْهَرْ فِيهَا لِلْبَوْلِ أَثَرٌ، وَهَكَذَا فِيمَنْ نَكَسَ وُضُوءَهُ، وَهَذَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَرَ، بَلْ هُوَ دَاخِلٌ فِي أَكْثَرِ مَسَائِلِهِمْ، وَمَا يَكَادُ يَخْلُصُ لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ مَسْأَلَةٌ مِنْ هَذَا الْإِلْزَامِ، وَيَكْفِي مِنْ هَذَا أَنَّهُ حُكْمٌ فَاسِدٌ لَمْ يُوجِبْهُ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْنَا بِالرَّدِّ عِنْدَ التَّنَازُعِ إلَّا إلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فَقَطْ، وَحُكْمُ التَّدَلُّكِ مَكَانُ تَنَازُعٍ فَلَا يُرَاعَى فِيهِ الْإِجْمَاعُ أَصْلًا.
وَأَمَّا خَبَرُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَسَاقِطٌ لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّ عَائِشَةَ، وَعِكْرِمَةُ سَاقِطٌ، وَقَدْ وَجَدْنَا عَنْهُ حَدِيثًا مَوْضُوعًا فِي نِكَاحِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمَّ حَبِيبَةَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، ثُمَّ هُوَ مُرْسَلٌ؛ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ لَمْ يُدْرِكْ عَائِشَةَ، وَأَبْعَدَ ذِكْرَهُ رِوَايَةُ ابْنِ عُمَرَ أَيَّامَ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَسَقَطَ هَذَا الْخَبَرُ.
ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُ جَاءَ فِيهِ الْأَمْرُ بِالتَّدَلُّكِ، كَمَا جَاءَ فِيهِ بِالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْثَارِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَلَا فَرْقَ، وَهُمْ لَا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَرْضًا، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَرَى كُلَّ ذَلِكَ فَرْضًا، وَلَا يَرَى التَّدَلُّكَ فَرْضًا، فَكُلُّهُمْ إنْ احْتَجَّ بِهَذَا الْخَبَرِ فَقَدْ خَالَفُوا حُجَّتَهُمْ وَأَسْقَطُوهَا، وَعَصَوْا مَا أَقَرُّوا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ عِصْيَانُهُ، وَلَيْسَ لِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ مِنْ أَنْ تَحْمِلَ مَا وَافَقَهَا عَلَى الْفَرْضِ وَمَا خَالَفَهَا عَلَى النَّدْبِ، إلَّا مِثْلَ مَا لِلْأُخْرَى مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّهُ لَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِكُلِّ مَا فِيهِ، فَإِذْ لَمْ يَصِحَّ فَكُلُّهُ مَتْرُوكٌ.

اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 1  صفحة : 278
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست