responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 1  صفحة : 223
وَأَمَّا إيجَابُ الشَّافِعِيِّ الْوُضُوءَ مِنْ مَسِّ الدُّبُرِ فَهُوَ خَطَأٌ لِأَنَّ الدُّبُرَ لَا يُسَمَّى فَرْجًا، فَإِنْ قَالَ: قِسْته عَلَى الذَّكَرِ قِيلَ لَهُ: الْقِيَاسُ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى عِلَّةٍ جَامِعَةٍ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ، وَلَا عِلَّةَ جَامِعَةَ بَيْنَ مَسِّ الذَّكَرِ وَمَسِّ الدُّبُرِ، فَإِنْ قَالَ: كِلَاهُمَا مَخْرَجٌ لِلنَّجَاسَةِ، قِيلَ لَهُ: لَيْسَ كَوْنُ الذَّكَرِ مَخْرَجًا لِلنَّجَاسَةِ هُوَ عِلَّةُ انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّهِ، وَمِنْ قَوْلِهِ إنَّ مَسَّ النَّجَاسَةِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، فَكَيْفَ مَسُّ مَخْرَجِهَا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ فَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الرَّجُلِ يَمَسُّ ذَكَرَهُ بَعْدَ أَنْ يَتَوَضَّأَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلْ هُوَ إلَّا بِضْعَةٌ مِنْك» . قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ، إلَّا أَنَّهُمْ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ مُوَافِقٌ لِمَا كَانَ النَّاسُ عَلَيْهِ قَبْلَ وُرُودِ الْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الْفَرْجِ، هَذَا لَا شَكَّ فِيهِ، فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَحُكْمُهُ مَنْسُوخٌ يَقِينًا حِينَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الْفَرْجِ، وَلَا يَحِلُّ تَرْكُ مَا تُيُقِّنَ أَنَّهُ نَاسِخٌ وَالْأَخْذُ بِمَا تُيُقِّنَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَثَانِيهَا أَنَّ كَلَامَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «هَلْ هُوَ إلَّا بِضْعَةٌ مِنْك» دَلِيلٌ بَيِّنٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَعْدَهُ لَمْ يَقُلْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هَذَا الْكَلَامَ بَلْ كَانَ يُبَيِّنُ أَنَّ الْأَمْرَ بِذَلِكَ قَدْ نُسِخَ، وَقَوْلُهُ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ سَلَفَ فِيهِ حُكْمٌ أَصْلًا وَأَنَّهُ كَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَكُونُ الْوُضُوءُ مِنْ ذَلِكَ غُسْلُ الْيَدِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا بَاطِلٌ، لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ غُسْلَ الْيَدِ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ مِنْ مَسِّ الْفَرْجِ، لَا الْمُتَأَوِّلُونَ لِهَذَا التَّأْوِيلِ الْفَاسِدِ وَلَا غَيْرُهُمْ، وَيُقَالُ لَهُمْ: إنْ كَانَ كَمَا تَقُولُونَ فَأَنْتُمْ مِنْ أَوَّلِ مَنْ خَالَفَ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا تَأَوَّلْتُمُوهُ فِي أَمْرِهِ، وَهَذَا اسْتِخْفَافٌ ظَاهِرٌ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يُطْلَقُ الْوُضُوءُ فِي الشَّرِيعَةِ إلَّا لِوُضُوءِ الصَّلَاةِ فَقَطْ، وَقَدْ أَنْكَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيقَاعَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ عَلَى غَيْرِ الْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ، كَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَاءَ مِنْ الْغَائِطِ وَأُتِيَ بِطَعَامٍ فَقِيلَ: أَلَا تَتَوَضَّأُ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: لَمْ

اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 1  صفحة : 223
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست