اسم الکتاب : الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف : عبد الرحمن الجزيري الجزء : 1 صفحة : 6
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= على الأمور المعنوية، وإن كانوا يخصون الخبث بالأمور الحسية، ولكنهم يقولون: إن إزالة الأمور المعنوية يقال لها: طهارة، فالوضوء على الوضوء طهارة بهذا المعنى، وههنا إيراد معروف، وهو أنه لا معنى لعدّ الريح، أو المباشرة الفاحشة بدون إنزال مثلاً من نواقض الوضوء، ولا معنى لكون المني يوجب الغسل، أما الأّول: فلأن الريح ونحوه ليس بنجاسة مُحسة، وأمّا الثاني: فلأن المني طاهر، وعلى فرض أنه نجس فلم تكن نجاسته أكثر من نجاسة البول. أو الغائط، فالمعقول أن تكون الطهارة منه مقصورة على غسل محله فقط، والجواب: أن قائل هذا الكلام غافل عن معنى العبادة، وغافل عن معنى أمارات العبادة، لأن الغرض من العبادة إنما هو الخضوع بالقلب والجوارح لله عز وجل على الوجه الذي يرسمه هو، فلا يصح لأحد أن يخرج عن الحد الذي يحدّه الله لعبادته، ولا مصلحة للمخلوق في مناقشة أمارات العبادة ورسومها إلا بمقدار ما يمسه من نصب وإعياء، فإن له الحق في طلب تكليفه بما يطيق، أما عدا ذلك من كيفيات ورسوم فإنها يجب أن تناط؟؟ وإعياء، فإن له الحق في طلب تكليفه بما يطيق، أما ما عدا ذلك من كيفيات ورسوم فإنها يجب أن تناط بالمعبود وحده، وهذه مسألة واضحة لا خفاء فيها، حتى فيما جرت به العادة من تعظيم الناس بعضهم بعضاً، فإن الملوك لا يُسألون عن سبب الرسوم التي يقابلون بها الناس، ما دامت غير شاقة، فمتي قال الشارع: لا تصلوا وأنتم محدثون حدثاً أصغر أو أكبر، فإنه يجب علينا أن نمتثل بدون أن نقول له: لماذا الشافعية وإلا فيصح أن نقول له: لماذا نصلي الشافعية إذ لا فرق، فإن كلاًّ منهما عبادة له، جعلها أمارة من أمارات الخضوع إنما الذي يصح أن نقوله: وإذا لم نقدر على الوضوء أو الغسل أو الصلاة، فماذا نفعل الشافعية ولذا شرع لنا التيمم. والصلاة من قعود واضطجاع ونحو ذلك مما نقدر عليه، فالذي من حقنا هو الذي نسأل عنه ونناقش فيه، والذي يختص بالإله وحده نؤديه بدون مناقشة، وهذا بخلاف المعاملات. أو الأحوال الشخصية، فإنها متعلقة بحياتنا، فلنا الحق أن نعرف حكمة كل قضية ونناقش في كل جزئية.
هذا هو الرأي المعقول، على أن بعض المفكرين من علماء المسلمين قال: إن كل قضية من قضايا الشريعة لها حكمة معقولة وسرٌّ واضح، عرفه من عرفه وخفي على من خفي عليه، لا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات.
وقد أجاب عن الأول بأن الريح مستقذر حساً بدون نزاع، وهو وإن لم يكن مرئياً بحاسة البصر فهو مدرك بحاسة الشم، وهو قبل أن يخرج مرَّ على النجاسة الحسية، على أن الذي يقول: إن الريح لا ينقض وإن البول أو الغائط يوجبان غسل محلهما فقط، يلزمه أن يقول: إن الإنسان لا يلزمه أن يتوضأ في حياته إلا مرة واحدة، فإن النوم ليس بنجاسة، والريح ليس بنجاسة، والبول والغائط نجاسة محلية فقط، ولا يخفي أن هذا الكلام فاسد لا قيمة له، لأن الواقع أن الله قد شرع الوضوء لمنافع كثيرة: منها ما هو محسٌّ مشاهد من تنظيف الأعضاء الظاهرة المعروضة للأقذار خصوصاً الفم والأنف. ومنها ما هو معنوي: وهو الامتثال والخضوع لله عز وجل فيشعر المرء بعظمة خالقه دائماً، فينتهي عن الفحشاء والمنكر، وذلك خير له في الدنيا والآخرة، فإذا كان الوضوء لا ينتقض فقد ضاعت مشروعيته وضاعت فائدته. =
اسم الکتاب : الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف : عبد الرحمن الجزيري الجزء : 1 صفحة : 6