responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 827
لغرض ولكن هذه لما كانت أسبابا شرعية وردت في الكتاب والسنة وأجمع عليها أهل الإسلام كان للقضاء بها حقا في ظاهر الشرع وجاز للقاضي الاستناد في حكمه إلى الظن لأن هذه الأدلة الواردة في أسباب الحكم هي من جملة مخصصات الأدلة الواردة في النهي عن العمل بالظن والوعيد عليه كما قيل في أخبار الآحاد ونحوها من الظنيات ومعلوم لكل عاقل أنه إذا كان الحاكم يعلم بالقضاء ويدري بالشيء على جليته وحقيقته فهذا مستند فوق ما يحصل له من تلك الأسباب لأنه علم والحاصل بتلك الأسباب ظن ولا خلاف في أن العلم أقوى من الظن وأن الاستناد إليه مقدم على الاستناد إلى الظن بل لا يبقى للظن تأثير مع وجود العلم أصلا فالحاكم الذي حكم بما يعلمه قد حكم بالعدل والحق والقسط بلا شك ولا شبهة ولم يكن من عمله مجوزا لكون حكمه باطلا وليس ذكر تلك الأسباب إلا لبيان ما هو ممكن في الواقع من التوصل إلى معرفة الحق مع عدم القطع والبت بمطابقة الحكم للواقع ولهذا يقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: "إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي بنحو مما أسمع فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار"، هكذا لفظ الحديث في الصحيحين وغيرهما فلا شك ولا ريب أن قضاء الحاكم بعلمه أسكن لخاطره وأقوى لقلبه وأقر لعينه من الحكم بالظن والعمل بما هو أولى هو مقبول لا يخالف فيه إلا من لا يتعقل الحقائق كما ينبغي كما تقرر في الأصول في الكلام على فحوى الخطاب.
هذا لو قدرنا أن تلك الأسباب لم يرد ما يدل على سببية غيرها ومعلوم أن التنصيص على بعض الأسباب لا ينفي سببية غيرها وأما ما قيل من أنه قد ورد ما يدل على انحصار الأسباب فيها وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "وليس لك إلا ذلك"، بعد قوله: "شاهداك أو يمينه"، [البخاري "5004"، مسلم "1497"] ، فيجاب عنه بأن هذا إنما يكون دليلا لو علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد علم بالواقع في تلك القضية وترك العمل بعلمه وعدل إلى طلب البينة واليمين ولم يثبت ذلك على أنه يرد على هذا الحصر إقرار من عليه الحق فإنه أقوى في السببية للحكم من البينة واليمين.
فالحاصل أن الحاكم بعلمه حاكم بالعدل والحق والتعليل بالتهمة لا وجه له ولا التفات إليه فإنه التهمة عن الحكام العادلين العارفين بما شرعه الله المتعلقين لحجج الله سبحانه منتقية ولا يعود عليهم من ذلك غرض يصلح لجعله علة أصلا وليس محل النزاع هو الحاكم المتهم بل محل النزاع هو الحاكم الجامع لما قدمنا ذكره في شروط القضاء وهو أبعد عن الريب وأنزه من أن يزن بعيب.
وأما استثناء الحدود فوجهه أنه إذا لم يحصل النصاب المعتبر فيها كان ذلك شبهة وهي تدرأ بالشبهات وأما ما استدل به على هذا الاستثناء من قوله صلى الله عليه وسلم: "لو كنت راجما أحدا بغير بينة لرجمتها"، كما تقدم في قصة الملاعنة فليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قد علم بوقوع الفاحشة منها ولكنه استدل على ذلك بما ظهر من القرائن كما تضمنته القصة وليس ذلك من باب العلم ومع هذا

اسم الکتاب : السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 827
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست