اسم الکتاب : السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار المؤلف : الشوكاني الجزء : 1 صفحة : 824
"من خاصم في باطل وهو يعلم لم يزل في سخط الله حتى ينزع"، وفي لفظ له: " من أعان على خصومة بظلم فقد باء بغضب من الله".
فتعريف الغرماء بهذا قد يكون سببا لارتداع المبطل عن باطله من الأصل لأن في ترغيبه إلى الصلح باديء بدء تجرئة له على أن يأخذ البعض مما هو باطل بذريعة الصلح وقد يظن خصمه أن الحاكم إنما رغبهما إلى الصلح وسيلة بين يدي الحكم فيستفدي الحكم عليه بالكل بالبعض تخلصا من معرة الحكم بالباطل.
قوله: "وترتيب الواصلين".
أقول: هذه طريقة حسنة من طرائق العدل لأن الأحق بالوصول إلى مجلس المحاكمة هو أول الواصلين ثم من بعده وترتيبهم على خلاف هذا يخالف طريقة العدل وهكذا تمييز مجلس النساء لما في اجتماعهم مع الرجال من وسائل المنكر وذرائع الوقوع في المعصية.
وأما قوله: "وتقديم أضعف المدعيين" فلا وجه له بل الواجب عليه التسوية بين القوي والضعيف على وجه لا يطمع القوي في جوره ولا ييئس الضعيف من عدله هذا هو العدل الذي قامت به السموات والأرض ولا يجوز تأثير الضعيف بشيء على القوي فيما يرجع إلى التسوية وإلا كان ذلك ظلما للقوي وجورا عليه.
وأما تقديم البادي من المتخاصمين على الحاضر منهم فوجهه أنه يصحب البادي من المشقة ما لا يلحق الحاضر فهذا التقديم فيه ضرب من الصلاح وللحاكم أن يفعل ما يراه أوفق لمراد الله وأرفق بأهل الخصومات وهكذا التنسم لأنه مع اجتهاده لنفسه قد يوقع الحكم حال الفتوى المقتضي لعدم التثبت أو للحكم حال الغضب ففي هذا ضرب من الصلاح وهو لا يؤاخذ إلا بما يقدر عليه ويدخل تحت طاقته.
قوله: "واستحضار العلماء"
أقول: هذا الاستحضار قد يتسبب عنه تحفظ الحاكم وتحريه لما تقتضيه المسالك الشرعية وإن كان الحاكم العدل المتورع يفعل في تثبته مع الخلو ما يفعله مع الحضور ويراقب الله سبحانه في كل حالاته نعم أعظم فوائد حضور أهل العلم الذين هم أهله أن يستعين بهم في تقويمه إذا زاغ من الحق ويأذن لهم بذلك فإن هذه فائدة عظيمة وإن كان من الأئمة المجتهدين فإنه قد تتشعب طرائق الاجتهاد فيكون بعضها أوفق من بعض وأقرب إلى قطع الخصومة وطيبة نفس الخصوم والموافقة للحق.
قوله: "ويحرم تلقين أحد الخصمين وشاهده إلا تثبتا".
أقول: أما تعريف الخصم لما يجب له وعليه فهو واجب على الحاكم كما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: "ألك بينة؟ "، وقال: "فلك يمينه"، وقال: "شاهداك أو يمينه".
والحاصل أن أحكام الشرع ليست بمقامرة ولا مخادعة ولا مماكرة بل هي الجادة الواضحة التي ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا جاحد فإذا أوضح الحاكم للخصمين أو أحدهما
اسم الکتاب : السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار المؤلف : الشوكاني الجزء : 1 صفحة : 824