اسم الکتاب : السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار المؤلف : الشوكاني الجزء : 1 صفحة : 822
قوله: "والتثبيت".
أقول: وجهه أنه لا يتم الحكم بالحق كما ينبغي إلا بذلك وإلا كان إيقاع الحكم على غير الوجه الذي يقتضي به العدل والحق وقد أمر الله سبحانه بالحكم بالعدل والحق وبما أنزل وأيضا التثبيت هو من الاجتهاد المذكور في الحديث السابق بلفظ: "إذا اجتهد الحاكم" لأن المراد بالاجتهاد هذا بلاغ الجهد في تتبع وجوه الحكم والنظر في مشتبهات الأدلة والموازنة بين الحجج التي لها مدخل في تلك الحادثة.
قوله: "وطلب تعديل البينة المجهولة".
أقول: البينة ما لم تكن قد ثبت للحاكم ما يعتبر فيها من العدالة فليست ببينة ولا يترتب عليها حكم فإذا أتى الخصم ببينة لا يعرف الحاكم حالها فلا يقبلها حتى يأتي من جاء بما يصححها وأما طلب درئها من المنكر فليس هذا من وظيفة الحكم ولا الحاكم بل على الحاكم أن يخبر من عليه البينة بأنها قد شهدت بكذا وأنه لا قادح قد تبين له فيها فإن قال له ما يدفعها أمهله وإن لم يقل حكم عليه إلا أن يتبين له أن المشهود عليه لما يدر أن الجرح مسلك شرعي فله أن يعرفه بذلك ولا يكون تلقينا ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم: "شاهداك أو يمينه"، ويقول: "ألك بينة؟ ".
قوله: "والأمر بالتسليم".
أقول: هذا هو الثمرة المستفادة من التخاصم إلى الحاكم فإذا استوفى طريق الحكم أمر من عليه الحق بتسليمه إلا من هو له فإن أبي فهو آب من حق أوجبه الله عليه وأمر قضى به شرعه عليه وقد نفى الإيمان عمن لم يقنع بحكم الله عزوجل فقال: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء: 65] ، فعلى الحاكم وعلى كل قادر أن يأخذ على يد هذا الذي لم يذعن لحكم الله ويأطره على الحق أطرا فإن كان لا يتخلص مما عليه إلا بالحبس ونحوه من أنواع التغليظ عليه فذاك واجب إذ لا يتم الواجب إلا به وما لا يتم الواجب إلا به واجب كوجوبه كما تقرر في الأصول.
وأما إنكار كثير من الفضلاء لما يقع من الحاكم من حبس من امتنع من الخروج مما يجب عليه فهو من قصور الفهم عن إدراك المدارك الشرعية وقد بسطت القول في الحبس في شرح المنتقى فليرجع إليه.
قوله: "إلا والد لولده".
أقول: لا وجه لإطلاق هذا الاستثناء فإنه وإن استقام في المال لحديث: "أنت ومالك لأبيك" لم يستقم في سائر ما يصدق عليه أنه ظلم من الأب لابنه ليس فيه شبهة فإنه يجب على الحاكم أن يأمره بالكف عن ذلك لأن الظلم حرمه الله بين عباده ولم يستثنى والد ولا ولد فإذا لم ينزع الأب عن ذلك كان للحاكم أن يحبسه حتى يتخلص من ظلمه لولده وإن كان حق
اسم الکتاب : السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار المؤلف : الشوكاني الجزء : 1 صفحة : 822