اسم الکتاب : السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار المؤلف : الشوكاني الجزء : 1 صفحة : 818
لم يره شيئا وفي الحديث الصحيح المتقدم: "إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر وإن اجتهد فأصاب فله أجران" وأين المقلد من أن يجتهد بمعنى يبلغ الجهد والطاقة في البحث عن حكم الله في الحادثة فإنه يقر على نفسه أنه إنما يطالب من قلده برأيه لا بروايته ويقر على نفسه أنه لا يطالبه بحجة ولا علم له إلا ما تلقاه عن إمامه بهذه الطريقة وعلى هذه الصفة.
والحاصل أن نصب المقلد للحكم بين عباد الله إذن له بالحكم بالطاغوت لأنه لا يعرف الحق حتى يحكم به وما عدا الحق فهو طاغوت ولو قدرنا أنه طابق الحق في حكمه لكان قد حكم بالحق وهو لا يعلم به فهو أحد قاضي النار وإن حكم بغير الحق فهو القاضي الآخر من قضاة النار فيالله العجب كيف يولي الحكم بين الناس بالشرع الذي بعث به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم من هو في كلتا حالتيه من أهل النار وكفاك من شر سماعه {إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: 81] ، {وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} [يوسف: 52] ، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من علامات القيامة أن يتخذ الناس رؤساء جهالا يفتون بغير علم فيضلون ويضلون ورأس الرياسات الدينية هو القضاء بلا شبهة.
قوله: "والعدالة المحققة".
أقول: قد قدمنا في الشهادات الكلام على العدالة وما يكفي فيها فلا نعيده هنا وإذا كانت العدالة شرطا فيمن يشهد لقضية فردة فكيف لا تكون شرطا فيمن يتولى القضاء في كل قضية ترد إليه.
والحاصل أن من لا عدالة له لا يوثق بحكمه ولا يلزم الخصوم قبوله وبهذا يبطل الغرض من نصبه مع كونه مظنة للحكم بخلاف الحق زاعما أنه الحق لغرض من الأغراض الدنيوية فإن فاقد العدالة لا يتورع من شيء.
قوله: "وولاية من إمام حق".
أقول: وجه هذا أنه لم يتصدر أحد في زمن النبوة للقضاء إلا بأمره صلى الله عليه وسلم ولا تصدر أحد في أيام الخلفاء الراشدين للقضاء إلا بأمر من الخليفة وهذا أمر ظاهر لا ينبغي أن ينكر وأما التحكيم فهو باب آخر ليس من القضاء في شيء لأن الخصمين ألزما أنفسهما بقبول ما حكم به المحكم بينهما فكان هذا الإلزام هو سبب اللزوم وقد فتح الله باب التحكيم في كتابه العزيز وثبت في السنة المطهرة كما في جزاء الصيد وفي حكم سعد في قصة بني قريظة وغير ذلك وهكذا استمر الأمر بعد انقضاء عصر الخلفاء الراشدين فلم يسمع بقاض إلا بولاية من سلطان زمانه إلى هذه الغاية.
وأما اشتراط أن يكون الإمام حق فقد ثبت وجوب الطاعة لمن بايعه المسلمون بالأحاديث المتواترة وثبت الأمر بالصبر على جور الجائرين وظلم الظالمين مع أمرهم بما هو معروف ونهيهم عما هو منكر ومن الطاعة الواجبة أن لا يتولى أحد بولاية إلا بإذن منهم وإلا كان ذلك من المنازعة في الأمر وقد ثبت تحريم ذلك ما أقاموا الصلاة ما لم يظهر منهم كفر
اسم الکتاب : السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار المؤلف : الشوكاني الجزء : 1 صفحة : 818