اسم الکتاب : السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار المؤلف : الشوكاني الجزء : 1 صفحة : 757
وأما قوله: "والبينة بعدها" فلا وجه له لأن السبب الشرعي قد ثبت باليمين فوجب الحكم به.
وأما قوله: "ما لم يحكم فيهما" فهو باعتبار النكول غير صحيح لا باعتبار اليمين فهو صحيح بل وإن لم يحكم فإنه لا قبول للبينة بعد اليمين أصلا ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم للحضرمي: "ألك بينة؟ "، قال: لا, قال: "فلك يمينه"، قال: يا رسول الله الرجل فاجر لا يحلف وليس يتورع من شئ, فقال: "ليس لك منه إلا ذلك"، والحديث في صحيح مسلم وغيره وقوله: "ليس لك منه إلا ذلك" يفيد الحصر.
قوله: "ومتى ردت على المدعي".
أقول: لم يصح بشيء في يمين الرد قط وما روي في ذلك فلا يقوم به حجة ولا ينتهض للدلالة على المطلوب والأسباب الشرعيه لا تثبت إلا بالشرع.
وأما الاستدلال بيمين الرد بقوله سبحانه: {أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} [المائدة: 108] ، فغلظ ظاهر فإن معنى الآية غير هذا كما هو مبين في كتب التفسير ومع هذا فالجمهور على أنها منسوخه.
فإن قلت: لا شك أن هذه اليمين لا تجب على المدعي إذا ردها عليه المنكر فلا يجوز إلزامه بها ولا يكون نكوله عنها نكولا يثبت به ما ثبت بالنكول ولا يحتاج إلى الاستدلال على عدم لزومها بما ورد التنصيص على الأسباب الشرعيه كقوله صلى الله عليه وسلم: "شاهداك أو يمينه".
وقوله: "على المدعي البينة وعلى المنكر اليمين" لأن الدليل على من ادعى أنها سبب شرعي والأصل عدم ذلك والنافي لكونها سببا يكفيه قيامه مقام المنع إنما الشأن في شيء آخر غير إلزام من ردت عليه بها وأن المنكر لما طلبت منه اليمين التي عليه شرعا ولا يندفع عنه الحق إلا بفعلها قد رضي لنفسه بان يحلف المدعي بأن هذا الأمر الذي ادعاه ثابت على المنكر وقنع بذلك وزحزح اليمين المتوجهه عليه بهذا الرد فالحكم عليه بهذه اليمين إذا حلفها المدعي ليس لكونها سببا شرعيا بل لكون المنكر قد رضي بها عوضا عن اليمين التي عليه.
قلت: هذا صحيح من هذه الحيثية وللإنسان أن يلزم نفسه ما شاء بما شاء فإن حلفها المدعي لزم المنكر ما أفاده وإن أبى أن يحلف فلا إكراه له ولا يكون تركه لفعلها حجة عليه مبطلة لدعواه فاعرف هذا وتأمله فإنه نفيس.
قوله: "أو طلب تأكيد بينته غير المحققة" الخ.
أقول: ليس على هذه اليمين أثاره من علم بل الواجب النظر في البينة التي أقامها المدعي فإن كانت شهادة مفيدة قد صحت للحاكم وجب عليه الحكم بها ولا يكون طلب المدعى عليه لها موجبا للتوقف في الحكم ولا يحل للحاكم أن يسمع منه ذلك وأما إذا كانت البينة غير صالحة لاستناد الحكم إليها بوجه من الوجوه فعلى المدعي أن يأتي بينته صحيحه معمولا بها
اسم الکتاب : السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار المؤلف : الشوكاني الجزء : 1 صفحة : 757