اسم الکتاب : السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار المؤلف : الشوكاني الجزء : 1 صفحة : 483
وغضبا من أموال بعضهم بعضا مع كونهم مستمرين على ربا الجأهلية الذي هو الربا المحرم بلا خلاف وهكذا كان صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه يعاملون اليهود من أهل المدينة وممن حولها وهم مستحلون لكثير ما حرمه شرعنا وهكذا كان صلى الله عليه وسلم يعامل هو وأصحابه أهل مكة قبل الهجرة ومن يرد إليها من طوائف الكفار ولم يسمع على كثرة هذه المعاملة وتطأول مدتها أنه صلى الله عليه وسلم قال: هذا كافر لا تحل معاملته ولا قال أحد من الصحابة كذلك وإذا كان هذا في معاملة الكفار الذين هذا حالهم وملكهم فكيف لا تجوز معاملة من هو من المسلمين مع تلبسه بشيء من الظلم فإن مجرد كونه مسلما يردعه عن بعض ما حرمه الله عليه وإن وقع في بعض المحرمات تنزه عن بعضها فغاية الأمر ما في يده قد يكون مما هو حرام وقد يكون مما هو حلال ولا يحرم على الإنسان إلا ما هو نفس الحرام وعينه.
وأما طريقة الورع فلا شك أن الأمر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه: "الحلال بين والحرام بين وبينهما مشتبهات" [البخاري "1/126"، 4/290"، مسلم "3330"، الترمذي "1205"، النسائي "4453"، ابن مكاجة "3984"] ، والمؤمنون وقافون عند الشبهات ولكنه قال لو كان هذا أعني معاملة الظالم من هذا القبيل لما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله أصحابه مع علمه لذلك وتقريره له وإذا كان هذا في المعاملة بالبيع والشراء ونحوهما كان في قبول عطائهم وهباتهم كذلك فقد كان الصحابة بعد انقراض خلافة الخلفاء الراشدين يقبضون العطاء والجوائز والهبات ممن بعدهم مع تلبسهم بشيء مما لا يبيحه الشرع وعدم توقفهم على ما يسوغه الحق ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم: "الخلافة بعدي ثلاثون عأما ثم تكون ملكا عضوضا".
وأما قوله: "والعبد المميز فيما لم يظن حجرهما" فوجهه أن الأصل فيما في أيديهما وقوع الإذن لهما بالتصرف فيه عملا باليد الثابتة عليه ومع ظن الحجر لهما ينتفي ذلك الأصل وإذا انكشف أنهما غير مأذونين كان الضمان متعلقا برقبة العبد ومال الصبي لأنه جناية منهما وهي مضمونة عليهما ولهذا قال وهو بالخطر فإنه تحذير للمعامل لهما لأنه قد لا يكون للصبي المميز مال وقد تكون رقبة العبد قاصرة عن الوفاء بجنايته وقد تقع أمثال هذه الجناية والجميع متعلق برقبته فلا يحصل للفرد من المعاملين له إلا النزر اليسير.
قوله: "وولي مال الصغير إن فعل لمصلحة".
أقول: وجهه أن الحاجة لمثل الصغير والمجنون قد تدعو إلي بيع شيء من ماله أو شراء شيء له لحاجة لا عذر عنها وهو صغير لا يصلح لذلك لعدم بلوغه سن الرشد والمجنون لا يدرك شيئا ولا يفرق بين المصلحة والمفسدة فلا بد من أن يتولى التصرف عنهما غيرهما ولكن إن فعل ذلك لمصلحة وإلا كان تصرفه ردا عليه والمصلحة هى على الحد الذى ذكره الله سبحانه في أموال اليتامى وأما قوله وهو أبوه فاعلم أن الله سبحانه قد ذكر الولي في كتابه العزيز فقال: {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} فجعل الأمر في هذا الذي لا يستطيع أن يمل إلي وليه واكتفى باملاله عنه فكان هذا دليلا من الكتاب العزيز على أن الولي ينوب عمن لا يستطيع أن يفعل كما يفعله غيره في
اسم الکتاب : السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار المؤلف : الشوكاني الجزء : 1 صفحة : 483