اسم الکتاب : فقه العبادات على المذهب الحنبلي المؤلف : سعاد زرزور الجزء : 1 صفحة : 54
النجاسات المعفو عنها:
-1ً- أثر النجاسة بعد غسلها كأن يبقى لونها أو ريحها لمشقة إزالته، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه (أن خولة بنت يسار أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إنه ليس لي ثواب واحد، وأنا أحيض فيه، فكيف أصنع؟ قال: إذا طهرت فاغسليه ثم صلي فيه. فقالت: فإن للم يخرج الدم؟ قال: يكفيك غسل الدم ولا يضرك أثره) [1] . -[55]-
-2ً- يسير الدم والقيح والصديد في غير المائعات والمطعوم لأنه لا يمكن التحرز منه، بشرط أن يكون من حيوان طاهر حال حياته أو من إنسان لا يخلوا من حبة وبئر وقد روي عن جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم الصلاة مع الدم ولم يعرف لهم مخالف.
وحد اليسير: ما لا ينقص مثله الوضوء، وهو ما يعده الإنسان في نفسه يسيراً، فلو أصاب الدم ثوبا في مواضع فإنه يضم بعضه إلى بعض، فإن كان المجموع يسيراً غفي عنه وإلا فلا، ولو كان مما لا يدرك الطرف كأن تحمله رجل ذبابة فيقع فيها فإنها تنجس.
-3ً- ريق البغل والحمار وعرقهما وسباع البهائم وجوارح الطير وبول الخفاش، فيها روايتان: إحداهما: يعفى عن يسيره لمشقة التحرز منه، لأنه لا يكاد يسلم مقتني هذه الحيوانات من بللها فعفي عن يسيرها كالدم.
-4ً- المذي: وفيه روايتان إحداهما: يعفى عن يسيره، لأن المذي يكثر من الشباب.
-5ً- النبيذ: فيه روايتان إحداهما: يعفى عن يسيره لوقوع الخلاف فيه.
-6ً- النجاسة التي تصيب عين الإنسان ويتضرر بغسلها.
-7ً- يسير طين الشارع إن تحققت نجاسته بما خالطه من النجاسة، أما إن ظنت نجاسته فطاهر.
-8ً- يسير سلس البول بعد كمال التحفظ لمشقة التحرز. -[56]-
-9ً- أثر الاستجمار بمحله بعد الإنقاء واستيفاء العدد المطلوب في الاستجمار.
-10ً- دخان النجاسة وغبارها ما لم تظهر له صفة.
التطهير من النجاسات:
أولاً: تطهير الأرض المتنجسة ونحوها من الصخور والأحواض الكبيرة أو الصغيرة الداخلة في البناء، فإنها تطهر بصب الماء عليها بكثرة ولو من مطر أو سيل حتى تزول عين النجاسة وريحها ولونها وطعمها لما روى أنس رضي الله عنه (أن أعرابياً قام إلى ناحية في المسجد. فبال فيها. فصاح به الناس. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوه. فلما أفرغ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بِذَنوب [1] فصب على بوله) [2] . ولا تطهر الأرض المتنجسة بالشمس ولا بالريح ولا بالجفاف.
ثانياً: تطهير الآبار: تطهر أرض البئر إن كانت نجسة بنبع الماء فيها.
ثالثاً: تطهير الثياب والأواني وما يماثلها من الأشياء: في تطهيرها من النجاسة روايتان:
الأولى: يجزئ مكاثرتها بالماء حتى تذهب عين النجاسة ولونها وريحها وطعمها من غير عدد، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم -فيما روته عن أسماء رضي الله عنها- قال في دم الحيض: (اغسليه وصلي فيه) [3] ولم يذكر عدداً، وروى ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كانت الصلاة خمسين والغسل من الجنابة سبع مرار. والغسل من البول سبع مرار. فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل حتى جعلت الصلاة خمساً والغسل من الجنابة مرة والغسل من البول مرة) [4] . -[57]-
والثانية هي القول المعتمد في المذهب. أنه يجب في التطهير عدد معين في الغسلات وهو سبع مرات.
ويشترط في تطهير المتنجس الذي تشرب النجاسة أن يعصره كل مرة خارج الماء أن أمكن عصره، وعصر كل شيء بحسبه، ويكتفى بعصر الثوب بالقدر الذي لا يفسده، وإن كان بساطاً ثقيلاً فعصره بتقليبه ودقه حتى يذهب أكثر ما فيه من الماء.
أما الأواني تطهير بمرور الماء عليها وانفصالها عنها سبع مرات (وقيل ثلاث، واجتهد المتأخرين يكفي الغسل ثلاثاً إذا كانت عين النجاسة مزالة) .
فإن بقي بعد الغسل المطلوب (كل مرة مع الفرك والعصر) لون أو ريح أو بقيا معاً فإنه لا يضر (أي يعتبر طاهراً) ، أما إن بقي الطعام فإنه يضر (أي يبقى نجساً) إلا أنه يعفى عنه لأن بقاء الطعم دليل على بقاء عين النجاسة لا أثرها.
وإذا خفي موضع النجاسة في ثوب أو بدن غسل كل محل احتمل إصابته بالنجاسة حتى يتيقن غسلها، فإن لم يعلم جهتها من البدن أو الثوب غسله جميعاً. أما إذا وقعت النجاسة في أرض حرش واسعة أو في صحراء وجهل المكان فإنه لا يجب غسل جميعه ويصلي فيها بلا تحرٍ.
رابعاً: التطهير من نجاسة الكلب والخنزير وما تولد منهما: إذا تنجس شيء، بملاقاة الكلب، غير الأرض يجب غسله سبعاً إحداهن بالتراب سواء كان من ولوغه أو غيره لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قال النبي صلى الله عليه وسلم: طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب إن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب" [5] . وعن الإمام أحمد: يغسله سبع مرات ثم يعفره بواحدة بدليل قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن المغفل عنه: (إذا -[58]- ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات وعفروه الثامنة في التراب) [6] . والأولى جعل التراب في الأولى للخبر وليكن الماء بعده.
وأما الدليل على نجاسة الخنزير فبالقياس على الكلب لأنه أسوأ حالاً منه لنص الشارع على تحريمه وحرمة اقتنائه.
خامساً: التطهير من المذي: هناك روايتان في التطهير منه إحداهما: يجزئ نضحه لما روى سهل بن حنيف رضي الله عنه قال: (كنت ألقى من المذي شدة وعناء فكنت أكثر منه الغسل فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسألته عنه فقال: إنما يجزئك من ذلك الوضوء. فقلت يا رسول الله كيف بما يصيب ثوبي منه قال: يكفيك أن تأخذ كفاً من ماء فتنضح به ثوبك حيث ترى أنه أصاب منه) [7] .
والثانية: يجب غسله لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بغسل الذكر منه بقوله: (إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك وتوضأ وضوءك للصلاة) [8] ، ولأنه نجاسة من كبير أشبه بالبول.
سادساً: التطهير من بول الغلام الذي لم يطعم الطعام ومن قيئه: يطهر بالنضح الذي يغمره بالماء وإن لم ينفصل لما روي عن أم قيس بنت محصن رضي الله عنها (أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن لها لم يأكل الطعام، فوضعته في حجره، فبال: فلم يزد على أن نضح بالماء) [9] . أما التطهير من بول الجارية فلا يجزئ إلا الغسل لحديث خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يغسل من بول الجارية، ويرش من بول الغلام) [10] .
سابعاً: تطهير محل الاستنجاء إذا استجمر: هناك روايتان: إحداهما يطهر بالاستجمار لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان -[59]- يأمر بثلاثة أحجار وينهى عن الروث والرمة) [11] فهذا دليل على أن غيرهما يطهر به المحل، وسئل الإمام أحمد عن المستجمر يعرق في سراويله فقال: لا بأس به. وأما الثانية: فلا يطهر المحل.
ثامناً تطهير أسفل الخف والحذاء إذا أصابه نجاسة: هناك ثلاث روايات: الأولى: يجزئ دلكه بالأرض لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا وطئ الأذى بخفيه فطهورهما التراب) [12] . والثانية: يجب غسله لأنه ملبوس فلا يجوز فيه المسح كظاهره، وهذه الرواية هي المعتمد. أما الثالثة: فيجب غسله من البول والعذرة لفحشها ويجزئ دلكه من غيرهما.
تاسعاً: المائعات المتنجسة كالسمن والزيت والعسل لا تقبل التطهير.
عاشراً: الجامدات التي تشربت النجاسة كاللحم إذا طبخ أو سلق بنجاسة لا تقبل التطهير، أما البيض المسلوق بنجاسة فإنه يقبل التطهير لصلابة قشرته المانعة من تسرب النجاسة. [1] الذنوب هو الدلو المملوءة ماء. [2] مسلم: ج-1/ كتاب الطهارة باب 30/99. [3] تقدّم عند ابن ماجة. [4] مسند الإمام أحمد ج-2/ص 109. [5] مسلم: ج-1/ كتاب الطهارة باب 27/91. [6] مسلم: ج-1/ كتاب الطهارة باب 27/93. [7] الترمذي: ج-1/ كتاب الطهارة باب 84/115. [8] تقدّم عند أبي داود. [9] مسلم: ج-1/ كتاب الطهارة باب 31/103. [10] النسائي: ج-1/ص 158. [11] أبو داود: ج-1/ كتاب الطهارة باب 4/8. والرمة هي العظم المتفتت. [12] أبو داود: ج-1/ كتاب الطهارة باب 141/386.
اسم الکتاب : فقه العبادات على المذهب الحنبلي المؤلف : سعاد زرزور الجزء : 1 صفحة : 54