اسم الکتاب : فقه العبادات على المذهب الحنبلي المؤلف : سعاد زرزور الجزء : 1 صفحة : 378
مكان تأدية الزكاة:
لا يجوز نقل الزكاة من محل وجوبها إلى مسافة القصر فأكثر ولو كان ذلك بغية إعطائها لقرابته، ما لم يستغن أهل بلده فيجوز نقلها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه حين بعثه إلى اليمن: (فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم زكاة تؤخذ من أغنيائهم فتردُّ على فقرائهم) [1] وهذا يختص بفقراء بلدتهم. فإن خالف ونقلها أجزأته لأنه دفع الحق إلى مستحقه فبرئ منه ولكنه يأثم.
ويستحب تفرقة الزكاة في بلد وجوبها ثم في الأقرب فالأقرب من القرى والبلدان دون مسافة القصر، وإذ نقلها إلى بلد بعيد لتحري قرابة أو من كان أشد حاجة فلا بأس ما لم يجاوز مسافة القصر. -[379]-
فإن كان الرجل في بلد وماله في بلد آخر زكّاه في بلد المال، فإن كان متفرقاً زكى كل مال حيث هو.
وإن كان غائباً عن بلده وأهله والمال معه فالأسهل أن يزكي بعضه في هذا البلد وبعضه في البلد الآخر، وإن كان ماله تجارة يسافر به يزكيه في الموضع الذي أكثر مقامه فيه كما قال الإِمام أحمد، وإن كان ماله في بادية فرّق زكاته في أقرب البلاد إليها.
أما زكاة الفطر فيجب تأديتها في مكان وجوبها عليه.
الأصناف الذين تدفع الزكاة لهم: هم ثمانية ذكرهم الله تعالى في قوله: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها، والمؤلفة قلوبهم، وفي الرقاب، والغارمين وفي سبيل الله، وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم} [1] وإنما تفيد الحصر فلا تصرف إلى غير من ذكر. ولا يجب تعميمهم بها، وإن تولى الرجل إخراجها بنفسه سقط العامل عليها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ رضي الله عنه في الحديث المتقدم: (أن الله قد فرض عليهم زكاة تؤخذ من؟ أغنيائهم فترد على فقرائهم) أمر بردها في صنف واحد، وروى قبيصة بن مُخَارِق الهلالي قال: تحملت حَمَاَلَة. فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها. فقال: (أقم حتى تأتينا الصدقة. فنأمر لك بها ... ) [2] وهو صنف واحد.
-1- العاملين عليها: إذا تولى الإِمام القسمة بدأ بالساعي فيعطيه عمالته لأنه يأخذ عوضاً فكان حقه آكد ممن يأخذه مواساة. وللإمام أن يعين أجرة الساعي قبل بعثه من غير شرط، فإن عين له أجرة دفعها إليه وإلا دفع إليه أجرة مثله. والعامل عليها يشمل جامع الزكاة (الساعي) والكاتب والقاسم والحاشر (الذي يجمع المواشي) - والسائق والراعي والحافظ والحمال والكيال والعداد ونحو ذلك. فيعطون جميعهم من الزكاة ولو كانو أغنياء لأن ذلك على سبيل الأجرة. -[380]-
-2- الفراء والمساكين:
الفقير: هو من لا مال له أصلاً، ولا كسي من حلال. أو له مال أو كسب دون أن يكفيه أي من ذلك، بأن كان أقل من نصف الكفاية. وهو أسوأ حالاً من المسكين لأن الله تعالى بدأ به والله تعالى يبدأ بالأهم، ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر) [3] ، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: (اللهم أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً واحشرني في زمرة المساكين) [4] .
أما المسكين: فهو من له مال أو كسب، أو كلاهما معاً، مما يكفي معظم حاجياته.. وهكذا يكون المسكين أحسن حالاً من الفقير، ولأن الله تعالى وصفهم في القرآن فقال عز من قائل: {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} [5] أي لهم سفينة يعملون فيها.
ومن ملك من غير الأثمان ما لا يقوم بكفايته مما لا تجب فيه الزكاة كالعقار فليس بغني، وكذلك من ملك عقاراً يستغله أو ضيعة لا تكفيه يأخذ من الزكاة، ومن ملك نصاباً زكوياً لا تتم به الكفاية كمن ملك أربعين شاة أو ضيعة لا تكفيه فيعطى من الزكاة. وإن ملك من الأثمان ولو خمسين درهماً أو قيمتها من الذهب لا تقوم بكفايته فليس بغني ويجوز دفع الصدقة له. وأما من تحصل له الكفاية على الدوام من كسب أو تجارة أو أجر أو عقار أو نحو ذلك فلا يجوز دفع الزكاة له.
-3- المؤلفة قلوبهم: هم السادة المطاعون في عشائرهم وهم قسمان: كفار ومسلمون. -[281]-
-1ً- الكفار ممن يرجى إسلامهم أو يخاف شرهم: يجوز دفع الزكاة لهم، لما روي عن صفوان بن أمية أنه قال: (أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، وإنه لأبغض الخلق إلَّي: فما زال يعطيني حتى إنه لأحب الخلق إلي) [6] .
-2ً- المسلمون وهم أربعة أقسام:
أ- من أسلم وله شرف في قومه ويرجى بإعطائه من الزكاة إسلام غيره من الكفار، فيعطى ولو كان قوي الإيمان.
ب- ضعيف الإيمان الذي أسلم حديثاً، فيعطى منها ليقوى إيمانه.
جـ- مسلم قوي الإيمان إذا أعطي قاتل ودافع عن المسلمين وكفانا شر من وراءه من الكفار.
د- مسلم إذا أعطي جبى الزكاة ممن لا يعطيها إلا أن يخاف أن لا يجيبها، فيعطى من الزكاة.
فكل هؤلاء يجوز الدفع لهم من الزكاة لقدر ما يحصل به التأليف عند الحاجة فقط، وترك عمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم إعطاءهم لعدم الحاجة إليه في خلافتهم لا لسقوط سهمه.
-4- الرقاب: هم المكاتبون [7] ، ولا يصدقون إلا ببينة، فيعطون م يعينهم على العتق إن لم يكن معهم ما يفي بنجومهم (أقساطهم) . ولا يزاد المكاتب على ما يوفي كتابته، ويجوز أن يدفع إليه قبل حلول النجم لئلا يحل وهو معسر فتفسخ كتابته.
ويجوز أن يشترى من الزكاة رقبة لا تعتق عليه فيعتقها، ويجوز أن يفك منها أسيراً مسلماً لأنه رقبة من الأسر، ولا يجوز أن يعتق قنه أو مكاتبه عنها، لأن أداء زكاة كل مال تكون من جنسه وهذا ليس من جنس ما تجب الزكاة فيه. -[382]-
-5- الغارمون: وأقسامهم:
-1ً- مدين لتسكين فتنة بين طائفتين، في قتيل لم يظهر قاتله، فيقضى دينه من سهم الغارمين، سواء كان غنياً أو فقيراً.
-2ً- من استدان في مصلحة نفسه أو عياله، وصرف ذلك في مباح، أو في معصية ثم تاب، فإنه يعطى من مال الزكاة.
- يجوز للرجل دفع زكاته إلى مدينه، فإن رد المدين إلى المدائن دينه جاز أخذه للدائن بشرط أن لا يكون الدائن أعطاه الزكاة بقصد رد الدين له. أما من سقط دينه عن مدينة فَحَسبه الدائن من زكاته فلا تعتبر.
-6- في سبيل الله: هم الغزاة الذكور المتطوعون بالجهاد، وليس لهم نصيب من المخصصات للغزاة في الدولة، فيعطون من الزكاة ولو كانوا أغنياء، إعانة لهم على الغزو، ويجب على كل منهم أن يرد ما أخذه إن لم يغز، وكذا ما فضل بعد الغزو.
ويجوز أن يعطى الفقير من الزكاة ما يؤدي به فرض حج أو عمرة لأن الحج من السبيل.
-7- ابن السبيل: هو من ينشئ سفراً من بلد الزكاة، أو يكون مجتازاً لها، فهذا يعطى من الزكاة ما يوصله إلى بلده أو ماله بشرط كونه محتاجاً عندئذ، وبشرط ألا يكون عاصياً في سفره، فلو سافر لمعصية لم يعط، وكذا الهائم في سفره دون هدف، فإنه لا يعطى أيضاً.
أما من أراد أن ينشئ سفراً من بلده وليس معه ما يكفيه فيعطى لفقره لا لسفره.
ولا يجوز أن يدفع إلى واحد من هذه الأصناف أكثر مما تندفع به حاجته، فلا يزاد الفقير والمسكين على ما يغنيهما، ولا العامل على أجرته، ولا المؤلفة قلوبهم على ما يحصل به التأليف، ولا الغارم والمكاتب على ما يقضي دينهما، ولا الغازي على ما يحتاج إليه لغزوه، ولا ابن السبيل على ما يوصله لبلده، لأن الدفع لحاجة -[383]- فيجب أن يُتقيد بها. وإن اجتمع في واحد سببان كالغارم والفقير دفع إليه بهما، لأن كل واحد منهما سبب للأخذ، فوجب أن يثبت حكمه حيث وجد. [1] التوبة: 60. [2] مسلم: ج-2/ كتاب الزكاة باب 36/109. [3] مسند الإِمام أحمد: ج-5 /ص 36. [4] ابن ماجة: ج-2/ كتاب الزهد باب 7/4126. [5] الكهف: 79. [6] الترمذي: ج-3/ كتاب الزكاة باب 30/666. [7] المكاتب: عبد اشترى نفسه من سيدة بأقساط.
اسم الکتاب : فقه العبادات على المذهب الحنبلي المؤلف : سعاد زرزور الجزء : 1 صفحة : 378