اسم الکتاب : فقه العبادات على المذهب الحنبلي المؤلف : سعاد زرزور الجزء : 1 صفحة : 107
ماهيته:
هو طهارة بالتراب تقم مقام الطهارة بالماء عند العجز عن استعماله، سواء كانت الطهارة من الحدث الأصغر الأكبر أو من الخبث عن البدن، إلا أنها إذا كانت من الحدث الأصغر فينبغي مراعاة الترتيب، فمثلاً إن أراد التيمم عن عضو جريح من أعضاء الوضوء تيمم عنه في وقت غسله فيما لو كان صحيحاً، أما إذا كانت الطهارة من الحدث الأكبر تيمم عن العضو الجريح قبل الغسل أو بعده، لأنه لا ترتيب في الطهارة الكبرى.
ويجوز التيمم للنجاسة على البدن بعد تخفيفها ما أمكن بمسح رطبها وحك يابسها لزوماً، ولا فرق في كون النجاسة على عضو صحيح أو جريح، فإن تيمم لها قبل تخفيفها لم يصح. ودليل جواز التيمم للنجاسة على البدن هو أن طهارة البدن مشروطة للصلاة فجاز التيمم عنها كطهارة الحدث.
وفي وجوب إعادة الصلاة التي تيمم لها عن النجاسة روايتان: إحداهما: لا تجب الإعادة لأنه صلى بنجاسة.
ولا يجوز التيمم عن النجاسة بغير البدن.
شروط جواز صحة التيمم:
أولاً: العجز عن استعمال الماء: وهنا حالتان:
أ- فقد الماء.
ب- الخوف على نفسه من استعمال الماء.
أ- فقد الماء:
دليله: قوله تعالى: (فلم تجدوا ماء فتيمموا) وحديث أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الصعيد الطيب وضوء المسلم، وإن لم يجد ماء عشر سنين، فإذا وجد الماء، فليمسه بشرته، فإن ذلك خير) [1] .
حالات فقد الماء:
إن انقطع عنه الماء إما بحبس الماء عنه، أو بحبسه عن الماء، كأن يقطع العدو الماء عن البلد، أو يعجز عن تناول الماء من البئر أو من غيره ولو بفم، تيمم وصلى ولا إعادة عليه.
أو إن كان مسافراً ووصل إلى بلد لم يجد فيها الماء، أو كان معه ماء يحتاج إلى شربه للعطش أو لشرب رفيقه أو بهائمه، أو كان بينه وبين الماء سبع أو عدو يخاف على نفسه أو ماله إن تركه وذهب لجلب الماء، ففي كل هذه الحالات جاز له التيمم سواء كان مسافراً أو مقيماً وسواء كان السفر قصيراً أو طويلاً.
وإن وجد ماء لا يكفي لطهارته إذا كان محدثاً حدثاً أصغر أو أكبر استعماله فيما يكفي وجوباً وتيمم عن الباقي من أعضائه، ولا يصح تيممه قبل استعماله (كما لو كان بعض بدنه صحيحاً وبعضه جريحاً فإنه يلزمه غسل الصحيح والتيمم عن الجريح) لقوله تعالى: (فلم تجدوا ماء) وحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) [2] وحديث (فإذا وجد الماء، فليمسه بشرته) .
وإذا وجد مريد التيمم تراباً قليلاً لا يكفيه لتيممه استعمله وصلى ثم يعيد الصلاة إن وجد ما يكفي من ماء أو تراب.
وكذا إن وصل المسافر إلى الماء وقد ضاق الوقت عن طهارته به. أو علم أن نوبة استسقائه منه لا تصل إليه إلا بعد خروج الوقت أو دخول وقت الضرورة، عدل [ص-109] إلى التيمم لأنه غير قادر على استعمال الماء في الوقت فأشبه العادم له. أما غير المسافر فلا يعدل إلى التيمم ولو فاته الوقت لتشاغله بتحصيله أو استسقائه، لأن الله تعالى قال: {فلم تجدوا ماء} وهذا واجد له، حتى ولو خاف فوات الجنازة، أما عند الإمام أحمد رضي الله عنه فيجوز لأنه لا يمكن استدراكها.
ومن أرق الماء، أو مر به وأمكنه الوضوء منه، وهو يعلم أنه لا يجد غيره في الوقت، ولم يتوضأ، أو باعه، أو وهبه، وقد دخل الوقت ولم يترك منه شيئاً يتطهر به، فقد حرم عليك ذلك، ولم يصح البيع ولا الهبة لتعلق حق الله تعالى به كالأضحية المعينة، ثم إن لم يجد غيره تيمم وصلى وليس عليه إعادة لعدم القدرة على الماء.
وإذا اجتمع الحدث الحدث ونجاسة خبث على البدن والثوب، وكان معه ماء لا يكفي للجميع، فإنه يغسل ثوبه (لأنه لا يصح التيمم عن نجاسته) بشرط سبع مرات وإلا فهو كعدمه، ثم إن فضل شيء من الماء غسل النجاسة من على بدنه، ثم إن فضل شيء تطهر به وإلا تيمم وجوباً، أما إذا كانت النجاسة في أعضاء الوضوء فيبدأ بالوضوء، لأن ماء الوضوء يرفع الحدث ويزيل الخبث. [1] الترمذي: ج-[1]/الطهارة باب 92/124. [2] البخاري: ج-6/ كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب 2/6858.
ب- الخوف على نفسه من استعمال الماء:
وأسباب هذا الخوف هي:
-1- المرض: كجروح أو قروح أو حمى، فيجوز للمكلف التيمم إذا خاف أن يؤدي استعمال الماء إلى تلف عضو أو زيادة مرض أو تباطؤ شفاء أو حدوث شين فاحش في جسمه، والدليل قوله تعالى: (وإن كنتم جُنباً فاطهروا. وإن كنتم مرضى أو على سفر) [1] وقوله أيضاً: (ما يريد الله ليجعل عليكم في الدين من حرج ولكن يريد ليطهركم) (2) . -[110]- وإن كان بعض بدنه صحيحاً وبعضه جريحاً غسل الصحيح وتيمم للجريح جنباً كان أو محدثاً حدثاً أصغر، لما روى جابر رضي الله عنه قال: (خرجنا في سفر فأصاب رجلاً منا حجر فشجه في رأسه، ثم احتلم، فسأل أصحابه فقال: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات. فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك فقال: قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العِيّ السؤال، إنما كان يكفي أن يتيمم ويعصب على جرحه خرقة ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده) [3] . وليس عليه إعادة الصلاة في جميع الأحوال حتى ولو كان الجرح في أعضاء التيمم.
-2- شدة البرد: والدليل ما روى عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: (احتلمت في ليلة باردة، في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال، وقلت: إني سمعت الله يقول: "ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً" [4] . فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً) [5] ، ولأن خاف على نفسه أشبه بالمريض. ولا إعادة عليه إن كان مسافراً، أما إن كان في حاضراً ففي لزوم الإعادة روايتان، إحداهما: لا تلزمه الإعادة، والثانية: تلزمه الإعادة، وهي الرواية المعتمدة، لأنه ليس بمريض ولا مسافر فلا يدخل في عموم الآية، ولأن الحضر مظنه إسخان الماء، فالعجز عن التسخين عذر غير متصل، وإن قدر على تسخين الماء لزمه كما يلزمه شراء الماء.
ثانياً: طلب الماء:
يجب على فاقد الماء طلبه بدليل قوله تعالى: (فلم تجدوا ماء) ولا يتحقق عدم الوجود إلا بعد الطلب، فإن تيمم قبل طلبه لم يصح تيممه، ولأنه بدل فلا يجوز العدول إليه قبل طلب المبدل. -[111]- [1] و (2) المائدة: 6. [3] أبو داود: ج-1/ كتاب الطهارة باب 127/336. [4] النساء: 29. [5] أبو داود: ج-1/ كتاب الطهارة باب 126/334.
اسم الکتاب : فقه العبادات على المذهب الحنبلي المؤلف : سعاد زرزور الجزء : 1 صفحة : 107