responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المغني المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 7  صفحة : 433
أَصْحَابِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: تَطْلُقُ وَاحِدَةً بِالْمُبَاشَرَةِ، وَيَلْغُو الْمُعَلَّقُ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ فِي زَمَنٍ مَاضٍ، فَلَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ فِيهِ.
وَهُوَ قِيَاسُ نَصِّ أَحْمَدَ وَأَبِي بَكْرٍ، فِي أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ فِي زَمَنٍ مَاضٍ، وَبِهِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ الْقَاصِّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ، وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: لَا تَطْلُقُ أَبَدًا؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الْوَاحِدَةِ يَقْتَضِي وُقُوعَ ثَلَاثٍ قَبْلَهَا، وَذَلِكَ يَمْنَعُ وُقُوعَهَا، فَإِثْبَاتُهَا يُؤَدِّي إلَى نَفْيِهَا، فَلَا تَثْبُتُ، وَلِأَنَّ إيقَاعَهَا يُفْضِي إلَى الدَّوْرِ؛ لِأَنَّهَا إذَا وَقَعَتْ وَقَعَ قَبْلَهَا ثَلَاثٌ، فَيَمْتَنِعُ وُقُوعُهَا، وَمَا أَفْضَى إلَى الدَّوْرِ وَجَبَ قَطْعُهُ مِنْ أَصْلِهِ. وَلَنَا أَنَّهُ طَلَاقٌ مِنْ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ، فِي مَحَلٍّ لِنِكَاحٍ صَحِيحٍ، فَيَجِبُ أَنْ يَقَعَ، كَمَا لَوْ لَمْ يَعْقِدْ هَذِهِ الصِّفَةَ، وَلِأَنَّ عُمُومَاتِ النُّصُوصِ تَقْتَضِي وُقُوعَ الطَّلَاقِ، مِثْلُ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] . وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] .
وَكَذَلِكَ سَائِرُ النُّصُوصِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ الطَّلَاقَ لِمَصْلَحَةٍ تَتَعَلَّقُ بِهِ، وَمَا ذَكَرُوهُ يَمْنَعُهُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَيُبْطِلُ شَرْعِيَّتَهُ، فَتَفُوتُ مَصْلَحَتُهُ، فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ الرَّأْيِ وَالتَّحَكُّمِ، وَمَا ذَكَرُوهُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ فَإِنَّا إنْ قُلْنَا: لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ، فَلَهُ وَجْهٌ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَهُ فِي زَمَنٍ مَاضٍ، وَلَا يُمْكِنُ وُقُوعُهُ فِي الْمَاضِي، فَلَمْ يَقَعْ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ قُدُومِ زَيْدٍ بِيَوْمٍ. فَقَدِمَ فِي الْيَوْمِ، وَلِأَنَّهُ جَعَلَ الطَّلْقَةَ الْوَاقِعَةَ شَرْطًا لِوُقُوعِ الثَّلَاثِ، وَلَا يُوجَدُ الْمَشْرُوطُ قَبْلَ شَرْطِهِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَمْتَنِعُ وُقُوعُ الطَّلْقَةِ الْمُبَاشَرَةِ، وَلَا يُفْضِي إلَى دَوْرٍ وَلَا غَيْرِهِ. وَإِنْ قُلْنَا بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ، فَوَجْهُهُ أَنَّهُ وَصَفَ الطَّلَاقَ الْمُعَلَّقَ بِمَا يَسْتَحِيلُ وَصْفُهُ بِهِ، فَلَغَتْ الصِّفَةُ، وَوَقَعَ الطَّلَاقُ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً لَا تُنْقِصُ عَدَدَ طَلَاقِك، أَوْ لَا تَلْزَمُك. أَوْ قَالَ لِلْآيِسَةِ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ. أَوْ قَالَ: لِلْبِدْعَةِ.
وَبَيَانُ اسْتِحَالَتِهِ، أَنَّ تَعْلِيقَهُ بِالشَّرْطِ يَقْتَضِي وُقُوعَهُ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ يَتَقَدَّمُ مَشْرُوطَهُ، وَلِذَلِكَ لَوْ أَطْلَقَ لَوَقَعَ بَعْدَهُ، وَتَعْقِيبُهُ بِالْفَاءِ فِي قَوْله: فَأَنْتِ طَالِقٌ. يَقْتَضِي كَوْنَهُ عَقِيبَهُ، وَكَوْنُ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ بَعْدَهُ قَبْلَهُ مُحَالٌ، لَا يَصِحُّ الْوَصْفُ بِهِ، فَلَغَتْ الصِّفَةُ، وَوَقَعَ الطَّلَاقُ، كَمَا لَوْ قَالَ: إذَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لَا تَلْزَمُك. ثُمَّ يَبْطُلُ مَا ذَكَرُوهُ بِقَوْلِهِ: إذَا انْفَسَخَ نِكَاحُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا. ثُمَّ وُجِدَ مَا يَفْسَخُ نِكَاحَهَا؛ مِنْ رَضَاعٍ، أَوْ رِدَّةٍ، أَوْ وَطْءِ أُمِّهَا أَوْ ابْنَتِهَا بِشُبْهَةٍ، فَإِنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرُوهُ، وَلَا خِلَافَ فِي انْفِسَاخِ النِّكَاحِ. قَالَ الْقَاضِي: مَا ذَكَرُوهُ ذَرِيعَةٌ إلَى أَنْ لَا يَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ جُمْلَةً. وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا قُبَيْلَ وُقُوعِ طَلَاقِي بِك وَاحِدَةً. أَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ ثَلَاثًا إنَّ طَلَّقْتُك غَدًا وَاحِدَةً.
فَالْكَلَامُ عَلَيْهَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ وَارِدٌ عَلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا، وَذَلِكَ أَنَّ الطَّلْقَةَ الْمُوَقَّعَةَ يَقْتَضِي وُقُوعُهَا

اسم الکتاب : المغني المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 7  صفحة : 433
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست