responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المغني المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 7  صفحة : 392
وَرَوَى النَّجَّادُ بِإِسْنَادِهِ، أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَعَلَ أَلْبَتَّةَ وَاحِدَةً، ثُمَّ جَعَلَهَا بَعْدَ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ. وَهَذِهِ أَقْوَالُ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي عَصْرِهِمْ، فَكَانَ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ بِلَفْظٍ يَقْتَضِي الْبَيْنُونَةَ، فَوَجَبَ الْحُكْمُ بِطَلَاقٍ تَحْصُلُ بِهِ الْبَيْنُونَةُ، كَمَا لَوْ طَلَّقَ ثَلَاثًا، أَوْ نَوَى الثَّلَاثَ، وَاقْتِضَاؤُهُ لِلْبَيْنُونَةِ ظَاهِرٌ فِي قَوْلِهِ: أَنْتِ بَائِنٌ. وَكَذَا فِي قَوْلِهِ: أَلْبَتَّةَ؛ لِأَنَّ الْبَتَّ الْقَطْعُ، فَكَأَنَّهُ قَطَعَ النِّكَاحَ كُلَّهُ، وَلِذَلِكَ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ، كَمَا قَالَتْ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ إنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلَاقِي. وَبَتَلَهُ هُوَ الْقَطْعُ أَيْضًا؛ وَلِذَلِكَ قِيلَ فِي مَرْيَمَ الْبَتُولُ؛ لِانْقِطَاعِهَا عَنْ النِّكَاحِ.
وَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ التَّبَتُّلِ، وَهُوَ الِانْقِطَاعُ عَنْ النِّكَاحِ بِالْكُلِّيَّةِ. وَكَذَلِكَ الْخَلِيَّةُ وَالْبَرِيَّةُ يَقْتَضِيَانِ الْخُلُوَّ مِنْ النِّكَاحِ وَالْبَرَاءَةَ مِنْهُ، وَإِذَا كَانَ لِلَّفْظِ مَعْنَى، فَاعْتَبَرَهُ الشَّرْعُ، إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِيمَا يَقْتَضِيهِ وَيُؤَدِّي مَعْنَاهُ، وَلَا سَبِيلَ إلَى الْبَيْنُونَةِ بِدُونِ الثَّلَاثِ، فَوَقَعَتْ ضَرُورَةُ الْوَفَاءِ بِمَا يَقْتَضِيهِ لَفْظُهُ، وَلَا يُمْكِنُ إيقَاعُ وَاحِدَةٍ بَائِنٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ، فَكَذَلِكَ بِكِنَايَاتِهِ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يُفَرِّقُوا، وَلِأَنَّ كُلَّ لَفْظَةٍ أَوْجَبَتْ الثَّلَاثَ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، أَوْجَبَتْهَا فِي غَيْرِهَا، كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا. فَأَمَّا حَدِيثُ رُكَانَةَ؛ فَإِنَّ أَحْمَدَ ضَعَّفَ إسْنَادَهُ، فَلِذَلِكَ تَرَكَهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِابْنَةِ الْجَوْنِ: " الْحَقِي بِأَهْلِك ".
فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ لَا تَقْتَضِي الثَّلَاثَ، وَلَيْسَتْ مِنْ اللَّفَظَاتِ الَّتِي قَالَ الصَّحَابَةُ فِيهَا بِالثَّلَاثِ، وَلَا هِيَ مِثْلُهَا، فَيُقْصَرُ الْحُكْمُ عَلَيْهَا. وَقَوْلُهُمْ: إنَّ الْكِنَايَةَ بِالنِّيَّةِ كَالصَّرِيحِ. قُلْنَا: نَعَمْ، إلَّا أَنَّ الصَّرِيحَ يَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثٍ تَحْصُلُ بِهَا الْبَيْنُونَةُ، وَإِلَى مَا دُونَهَا مِمَّا لَا تَحْصُلُ بِهِ الْبَيْنُونَةُ، فَكَذَلِكَ الْكِنَايَةُ تَنْقَسِمُ كَذَلِكَ، فَمِنْهَا مَا يَقُومُ مَقَامَ الصَّرِيحِ الْمُحَصِّلِ لِلْبَيْنُونَةِ، وَهُوَ هَذِهِ الظَّاهِرَةُ، وَمِنْهَا مَا يَقُومُ مَقَامَ الْوَاحِدَةِ، وَهُوَ مَا عَدَاهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (5860) فَصْلٌ: وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَالْخِرَقِيِّ؛ أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِهَذِهِ الْكِنَايَاتِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، كَقَوْلِ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ اشْتَهَرَ اسْتِعْمَالُهَا فِيهِ، فَلَمْ تَحْتَجْ إلَى نِيَّةٍ كَالصَّرِيحِ.
وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا بِنِيَّةٍ؛ لِقَوْلِهِ: وَإِذَا أَتَى بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ وَقَعَ نَوَاهُ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ. فَمَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَ الصَّرِيحِ لَا يَقَعُ إلَّا بِنِيَّةٍ، وَلِأَنَّ هَذَا كِنَايَةٌ، فَلَمْ يَثْبُتْ حُكْمُهُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ، كَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ.

[فَصْلٌ الطَّلَاقَ بِصِفَةِ الْبَيْنُونَة]
(5861) فَصْلٌ: وَالْكِنَايَةُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ؛

اسم الکتاب : المغني المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 7  صفحة : 392
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست