responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المغني المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 7  صفحة : 387
مِنْ وَثَاقِي، أَوْ فَارَقْتُك بِجِسْمِي، أَوْ سَرَّحْتُك مِنْ يَدِي. فَلَا شَكَّ فِي أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّ مَا يَتَّصِلُ بِالْكَلَامِ يَصْرِفُهُ عَنْ مُقْتَضَاهُ، كَالِاسْتِثْنَاءِ وَالشَّرْطِ. وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ، فِي قَوْلِهِ: أَنْتِ مُطَلَّقَةٌ. أَنَّهُ إنْ نَوَى أَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ طَلَاقًا مَاضِيًا، أَوْ مِنْ زَوْجٍ كَانَ قَبْلَهُ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، فَعَلَى قَوْلَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا يَقَعُ. وَالثَّانِي، لَا يَقَعُ. وَهَذَا مِنْ قَوْلِهِ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ هَذِهِ اللَّفْظَةُ غَيْرَ صَرِيحَةٍ، فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ. قَالَ الْقَاضِي: وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ صَرِيحٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مُتَصَرِّفَةٌ مِنْ لَفْظِ الطَّلَاقِ، فَكَانَتْ صَرِيحَةً فِيهِ، كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ.
(5852) فَصْلٌ: فَأَمَّا لَفْظَةُ الْإِطْلَاقِ، فَلَيْسَتْ صَرِيحَةً فِي الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ يَثْبُتْ لَهَا عُرْفُ الشَّرْعِ، وَلَا الِاسْتِعْمَالُ، فَأَشْبَهَتْ سَائِرَ كِنَايَاتِهِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِيهَا احْتِمَالًا، أَنَّهَا صَرِيحَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ فَعَلْت وَأَفْعَلْت، نَحْوُ عَظَّمْته وَأَعْظَمْته، وَكَرَّمْته وَأَكْرَمْته. وَلَيْسَ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ بِمُطَّرِدٍ؛ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: حَيَّيْته مِنْ التَّحِيَّةِ، وَأَحْيَيْته مِنْ الْحَيَاةِ، وَأَصْدَقْت الْمَرْأَةَ صَدَاقًا، وَصَدَّقْت حَدِيثَهَا تَصْدِيقًا، وَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ أَقْبَلَ وَقَبِلَ، وَأَدْبَرَ وَدَبَرَ، وَأَبْصَرَ وَبَصُرَ، وَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْمَعَانِي الْمُخْتَلِفَةِ بِحَرَكَةٍ أَوْ حَرْفٍ، فَيَقُولُونَ: حَمْلٌ لِمَا فِي الْبَطْنِ، وَبِالْكَسْرِ لِمَا عَلَى الظَّهْرِ، وَالْوَقْرُ بِالْفَتْحِ الثِّقَلُ فِي الْأُذُنِ، وَبِالْكَسْرِ لِثِقَلِ الْحِمْلِ.
وَهَا هُنَا فَرَّقَ بَيْنَ حَلِّ قَيْدِ النِّكَاحِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، بِالتَّضْعِيفِ فِي أَحَدِهِمَا، وَالْهَمْزَةِ فِي الْآخَرِ، وَلَوْ كَانَ مَعْنَى اللَّفْظَيْنِ وَاحِدًا لَقِيلَ طَلَّقْت الْأَسِيرَيْنِ، وَالْفَرَسَ، وَالطَّائِرَ، فَهُوَ طَالِقٌ، وَطَلَّقْت الدَّابَّةَ، فَهِيَ طَالِقٌ، وَمُطَلَّقَةٌ. وَلَمْ يُسْمَعْ هَذَا فِي كَلَامِهِمْ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.

[فَصْلٌ قَالَ أَنْتِ الطَّلَاقُ]
فَصْلٌ: فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ الطَّلَاقُ. فَقَالَ الْقَاضِي: لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ فِي أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِهِ، نَوَاهُ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ. وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنَّهُ غَيْرُ صَرِيحٍ؛ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ، وَالْأَعْيَانُ لَا تُوصَفُ بِالْمَصَادِرِ إلَّا مَجَازًا. وَالثَّانِي، أَنَّ الطَّلَاقَ لَفْظٌ صَرِيحٌ، فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى نِيَّةٍ، كَالْمُتَصَرِّفِ مِنْهُ، وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي عُرْفِهِمْ، قَالَ الشَّاعِرُ:
نَوَّهْت بِاسْمِي فِي الْعَالَمِينَ ... وَأَفْنَيْت عُمْرِي عَامًا فَعَامَا
فَأَنْتِ الطَّلَاقُ وَأَنْتِ الطَّلَاقُ ... وَأَنْتِ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا تَمَامًا
وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ مَجَازٌ. قُلْنَا: نَعَمْ، إلَّا أَنَّهُ يَتَعَذَّرُ حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَلَا مَحْمَلَ لَهُ يَظْهَرُ سِوَى هَذَا الْمَحْمَلِ، فَتَعَيَّنَ فِيهِ.

اسم الکتاب : المغني المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 7  صفحة : 387
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست