responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المغني المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 7  صفحة : 369
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ، فَغَضِبَ، وَقَالَ: تَتَّخِذُونَ آيَاتِ اللَّهِ هُزْوًا، أَوْ لَعِبًا؟ مَنْ طَلَّقَ أَلْبَتَّةَ أَلْزَمْنَاهُ ثَلَاثًا، لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ» .
وَلِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ لِلْبُضْعِ بِقَوْلِ الزَّوْجِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، فَحُرِّمَ كَالظِّهَارِ، بَلْ هَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ يَرْتَفِعُ تَحْرِيمُهُ بِالتَّكْفِيرِ، وَهَذَا لَا سَبِيلَ لِلزَّوْجِ إلَى رَفْعِهِ بِحَالٍ، وَلِأَنَّهُ ضَرَرٌ وَإِضْرَارٌ بِنَفْسِهِ وَبِامْرَأَتِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ النَّهْيِ، وَرُبَّمَا كَانَ وَسِيلَةً إلَى عَوْدِهِ إلَيْهَا حَرَامًا، أَوْ بِحِيلَةٍ لَا تُزِيلُ التَّحْرِيمَ، وَوُقُوعِ النَّدَمِ، وَخَسَارَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَكَانَ أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ مِنْ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ، الَّذِي ضَرَرُهُ بَقَاؤُهَا فِي الْعِدَّةِ أَيَّامًا يَسِيرَةً، أَوْ الطَّلَاقِ فِي طُهْرٍ مَسَّهَا فِيهِ، الَّذِي ضَرَرُهُ احْتِمَالُ النَّدَمِ بِظُهُورِ الْحَمْلِ؛ فَإِنَّ ضَرَرَ جَمْعِ الثَّلَاثِ يَتَضَاعَفُ عَلَى ذَلِكَ أَضْعَافًا كَثِيرَةً، فَالتَّحَرِّي ثَمَّ تَنْبِيهٌ عَلَى التَّحْرِيمِ هَاهُنَا، وَلِأَنَّهُ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ، رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ، وَلَمْ يَصِحَّ عِنْدَنَا فِي عَصْرِهِمْ خِلَافُ قَوْلِهِمْ، فَيَكُونُ ذَلِكَ إجْمَاعًا.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْمُتَلَاعِنَيْنِ فَغَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ لَمْ تَقَعْ بِالطَّلَاقِ، فَإِنَّهَا وَقَعَتْ بِمُجَرَّدِ لِعَانِهِمَا. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِمُجَرَّدِ لِعَانِ الزَّوْجِ، فَلَا حُجَّةَ فِيهِ. ثُمَّ إنَّ اللِّعَانَ يُوجِبُ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا، فَالطَّلَاقُ بَعْدَهُ كَالطَّلَاقِ بَعْدَ انْفِسَاخِ النِّكَاحِ بِالرَّضَاعِ أَوْ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ جَمْعَ الثَّلَاثِ إنَّمَا حَرُمَ لِمَا يَعْقُبُهُ مِنْ النَّدَمِ، وَيَحْصُلُ بِهِ مِنْ الضَّرَرِ، وَيَفُوتُ عَلَيْهِ مِنْ حِلِّ نِكَاحِهَا، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالطَّلَاقِ بَعْدَ اللِّعَانِ، لِحُصُولِهِ بِاللِّعَانِ، وَسَائِرُ الْأَحَادِيثِ لَمْ يَقَعْ فِيهَا جَمْعُ الثَّلَاثِ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكُونُ مُقِرًّا عَلَيْهِ، وَلَا حَضَرَ الْمُطَلِّقُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ أَخْبَرَ بِذَلِكَ لِيُنْكِرَ عَلَيْهِ. عَلَى أَنَّ حَدِيثَ فَاطِمَةَ، قَدْ جَاءَ فِيهِ أَنَّهُ أَرْسَلَ إلَيْهَا بِتَطْلِيقَةٍ كَانَتْ بَقِيَتْ لَهَا مِنْ طَلَاقِهَا، وَحَدِيثُ امْرَأَةِ رُفَاعَةَ جَاءَ فِيهِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا آخِرَ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ جَمْعُ الثَّلَاثِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْجَمِيعِ فِي أَنَّ الِاخْتِيَارَ وَالْأَوْلَى أَنْ يُطَلِّقَ وَاحِدَةً، ثُمَّ يَدَعَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، إلَّا مَا حَكَيْنَا مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّهُ يُطَلِّقُهَا فِي كُلِّ قُرْءٍ طَلْقَةً.
وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَمُوَافَقَةً لِقَوْلِ السَّلَفِ. وَأَمْنًا مِنْ النَّدَمِ، فَإِنَّهُ مَتَى نَدِمَ رَاجَعَهَا، فَإِنْ فَاتَهُ ذَلِكَ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، فَلَهُ نِكَاحُهَا. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: إنَّ عَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ قَالَ: لَوْ أَنَّ النَّاسَ أَخَذُوا بِمَا أَمَرَ اللَّهُ مِنْ الطَّلَاقِ، مَا يُتْبِعُ رَجُلٌ نَفْسَهُ امْرَأَةً أَبَدًا، يُطَلِّقُهَا تَطْلِيقَةً ثُمَّ يَدَعُهَا، مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَنْ تَحِيضَ ثَلَاثًا، فَمَتَى شَاءَ رَاجَعَهَا. رَوَاهُ النَّجَّادُ بِإِسْنَادِهِ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَ الطَّلَاقَ الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ، فَلْيُمْهِلْ، حَتَّى إذَا حَاضَتْ ثُمَّ طَهُرَتْ، طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً فِي غَيْرِ جِمَاعٍ، ثُمَّ يَدَعُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَلَا يُطَلِّقْهَا ثَلَاثًا وَهِيَ حَامِلٌ، فَيَجْمَعُ اللَّهُ عَلَيْهِ نَفَقَتَهَا وَأَجْرَ رَضَاعِهَا، وَيَنْدَمُهُ اللَّهُ، فَلَا يَسْتَطِيعُ إلَيْهَا سَبِيلًا.

اسم الکتاب : المغني المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 7  صفحة : 369
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست