responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المغني المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 6  صفحة : 368
يَرِثُهَا أَهْلُ دِينِهَا. فَأَمَّا الْمُعْتَقُ إذَا خَالَفَ دِينُهُ دِينَ مُعْتِقِهِ، فَسَنَذْكُرُهُ فِي بَابِ الْوَلَاءِ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

[فَصْلٌ الْكُفَّارُ يَتَوَارَثُونَ إذَا كَانَ دِينُهُمْ وَاحِدًا]
(4947) فَصْلٌ: فَأَمَّا الْكُفَّارُ فَيَتَوَارَثُونَ، إذَا كَانَ دِينُهُمْ وَاحِدًا، لَا نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهِ خِلَافًا، وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ يَرِثُ بَعْضًا. وَقَوْلُهُ: «لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَتَّى» . دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْمِلَّةِ الْوَاحِدَةِ يَرِثُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ دَارٍ» . دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عَقِيلًا وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ دُونَ جَعْفَرٍ، وَعَلِيٍّ لِأَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ، وَكَانَ عَقِيلٌ عَلَى دِينِ أَبِيهِ، مُقِيمًا بِمَكَّةَ، فَبَاعَ رِبَاعَهُ بِمَكَّةَ، فَلِذَلِكَ لَمَّا قِيلَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَيْنَ تَنْزِلُ غَدًا؟ قَالَ: «وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ» . وَقَالَ عُمَرُ فِي عَمَّةِ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْس: يَرِثُهَا أَهْلُ دِينِهَا. فَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَدْيَانُهُمْ، فَاخْتُلِفَ عَنْ أَحْمَدَ، فَرُوِيَ عَنْهُ، أَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ، يَرِثُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. رَوَاهُ عَنْهُ حَرْبٌ، وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ. وَبِهِ قَالَ حَمَّادٌ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَدَاوُد؛ لِأَنَّ تَوْرِيثَ الْآبَاءِ مِنْ الْأَبْنَاءِ، وَالْأَبْنَاءِ مِنْ الْآبَاءِ، مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرًا عَامًّا، فَلَا يُتْرَكُ إلَّا فِيمَا اسْتَثْنَاهُ الشَّرْعُ، وَمَا لَمْ يَسْتَثْنِهِ الشَّرْعُ يَبْقَى عَلَى الْعُمُومِ، وَلِأَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73] عَامٌ فِي جَمِيعِهِمْ. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّ الْكُفْرَ مِلَلٌ مُخْتَلِفَةٌ، لَا يَرِثُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَتَّى» . يَنْفِي تَوَارُثَهُمَا، وَيَخُصُّ عُمُومَ الْكِتَابِ، وَلَمْ نَسْمَعْ عَنْ أَحْمَدَ تَصْرِيحًا بِذِكْرِ أَقْسَامِ الْمِلَلِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: الْكُفْرُ ثَلَاثُ مِلَلٍ: الْيَهُودِيَّةُ، وَالنَّصْرَانِيَّةُ، وَدِينُ مَنْ عَدَاهُمْ؛ لِأَنَّ مَنْ عَدَاهُمْ يَجْمَعُهُمْ أَنَّهُمْ لَا كِتَابَ لَهُمْ. وَهَذَا قَوْلُ شُرَيْحٍ، وَعَطَاءٍ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالضَّحَّاكِ، وَالْحَكَمِ. وَالثَّوْرِيِّ، وَاللَّيْثِ، وَشَرِيكٍ، وَمُغِيرَةَ الضَّبِّيِّ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، وَوَكِيعٍ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ. وَرُوِيَ عَنْ النَّخَعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، الْقَوْلَانِ مَعًا. وَيَحْتَمِلُ كَلَامُ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يَكُونَ الْكُفْرُ مِلَلًا كَثِيرَةً، فَتَكُونُ الْمَجُوسِيَّةُ مِلَّةً، وَعِبَادَةُ الْأَوْثَانِ مِلَّةً أُخْرَى، وَعِبَادَةُ الشَّمْسِ مِلَّةً، فَلَا يَرِثُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ. وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَرَبِيعَةُ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ، وَإِسْحَاقُ وَهُوَ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَتَّى» . وَلِأَنَّ كُلَّ فَرِيقَيْنِ مِنْهُمْ لَا مُوَالَاةَ بَيْنَهُمْ، وَلَا اتِّفَاقَ فِي دِينٍ فَلَمْ يَرِثْ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، كَالْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ، وَالْعُمُومَاتِ فِي التَّوْرِيثِ مَخْصُوصَةٌ، فَيُخَصُّ مِنْهَا مَحِلُّ النِّزَاعِ بِالْخَبَرِ وَالْقِيَاسِ، وَلِأَنَّ مُخَالِفِينَا قَطَعُوا التَّوَارُثَ بَيْنَ أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ، مَعَ اتِّفَاقِهِمْ فِي الْمِلَّةِ، لِانْقِطَاعِ الْمُوَالَاةِ، فَمَعَ اخْتِلَافِ الْمِلَّةِ أَوْلَى. وَقَوْلُ مَنْ حَصَرَ الْمِلَّةَ بِعَدَمِ الْكِتَابِ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنَّ هَذَا وَصْفٌ عَدَمِيٌّ، لَا يَقْتَضِي حُكْمًا، وَلَا جَمْعًا، ثُمَّ

اسم الکتاب : المغني المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 6  صفحة : 368
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست