responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المغني المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 10  صفحة : 81
إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ كِتَابَ الْقَاضِي يُقْبَلُ فِي الْأَمْوَالِ، وَمَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ، وَلَا يُقْبَلُ فِي الْحُدُودِ، كَحَقِّ اللَّهِ - تَعَالَى. وَهَلْ يُقْبَلُ فِيمَا عَدَا هَذَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَبِهَذَا قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: يُقْبَلُ فِي كُلِّ حَقٍّ لِآدَمِيٍّ، مِنْ الْجِرَاحِ وَغَيْرِهَا، وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُدُودِ الَّتِي لِلَّهِ تَعَالَى؟ عَلَى قَوْلَيْنِ. وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْفَصْلِ يُذْكَرُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالْكِتَابُ عَلَى ضَرْبَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنْ يَكْتُبَ بِمَا حَكَمَ بِهِ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى رَجُلٍ بِحَقٍّ، فَيَغِيبَ قَبْلَ إيفَائِهِ، أَوْ يَدَّعِيَ حَقًّا عَلَى غَائِبٍ، وَيُقِيمَ بِهِ بَيِّنَةً، وَيَسْأَلَ الْحَاكِمَ الْحُكْمَ عَلَيْهِ، فَيَحْكُمَ عَلَيْهِ، وَيَسْأَلَهُ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ كِتَابًا يَحْمِلُهُ إلَى قَاضِي الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْغَائِبُ، فَيَكْتُبَ لَهُ إلَيْهِ، أَوْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ عَلَى حَاضِرٍ، فَيَهْرُبَ قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ، فَيَسْأَلَ صَاحِبُ الْحَقِّ الْحَاكِمَ الْحُكْمَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يَكْتُبَ لَهُ كِتَابًا بِحُكْمِهِ.
فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ، يَلْزَمُ الْحَاكِمَ إجَابَتُهُ إلَى الْكِتَابَةِ، وَيَلْزَمُ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ قَبُولُهُ، سَوَاءٌ كَانَتْ بَيْنَهُمَا مَسَافَةٌ بَعِيدَةٌ أَوْ قَرِيبَةٌ، حَتَّى لَوْ كَانَا فِي جَانِبَيْ بَلَدٍ أَوْ مَجْلِسٍ، لَزِمَهُ قَبُولُهُ وَإِمْضَاؤُهُ، سَوَاءٌ كَانَ حُكْمًا عَلَى حَاضِرٍ أَوْ غَائِبٍ. لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يَجِبُ إمْضَاؤُهُ عَلَى كُلِّ حَاكِمٍ.
الضَّرْبُ الثَّانِي، أَنْ يَكْتُبَ يُعْلِمُهُ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ عِنْدَهُ بِحَقٍّ لِفُلَانٍ، مِثْلَ أَنْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ عِنْدَهُ بِحَقٍّ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ، وَلَمْ يَحْكُمْ بِهِ، فَيَسْأَلُهُ صَاحِبُ الْحَقِّ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ كِتَابًا بِمَا حَصَلَ عِنْدَهُ، فَإِنَّهُ يَكْتُبُ لَهُ أَيْضًا.
قَالَ الْقَاضِي: وَيَكُونُ فِي كِتَابِهِ: شَهِدَ عِنْدِي فُلَانٌ وَفُلَانٌ بِكَذَا وَكَذَا. لِيَكُونَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ هُوَ الَّذِي يَقْضِي بِهِ، وَلَا يَكْتُبُ: ثَبَتَ عِنْدِي؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: ثَبَتَ عِنْدِي. حُكْمٌ بِشَهَادَتِهِمَا، فَهَذَا لَا يَقْبَلُهُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ، إلَّا فِي الْمَسَافَةِ الْبَعِيدَةِ، الَّتِي هِيَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ، وَلَا يَقْبَلُهُ فِيمَا دُونَهَا؛ لِأَنَّهُ نَقْلُ شَهَادَةٍ، فَاعْتُبِرَ فِيهِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ. وَنَحْوُ هَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ: يَجُوزُ أَنْ يَقْبَلَهُ فِي بَلَدِهِ.
وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُ هَذَا. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ: الَّذِي يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ. وَاحْتَجَّ مَنْ أَجَازَهُ بِأَنَّهُ كِتَابُ الْحَاكِمِ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ، فَجَازَ قَبُولُهُ مَعَ الْقُرْبِ، كَكِتَابِهِ بِحُكْمِهِ.
وَلَنَا، أَنَّ ذَلِكَ نَقْلُ الشَّهَادَةِ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ، فَلَمْ يَجُزْ مَعَ الْقُرْبِ، كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَيُفَارِقُ كِتَابَهُ بِالْحُكْمِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِنَقْلٍ، وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ يَلْزَمُهُ قَبُولُ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ بِالْحَقِّ الَّذِي حَكَمَ عَلَيْهِ بِهِ، فَيَبْعَثُ إلَيْهِ، فَيَسْتَدْعِيهِ، فَإِنْ اعْتَرَفَ بِالْحَقِّ، أَمَرَهُ بِأَدَائِهِ، وَأَلْزَمَهُ إيَّاهُ. وَإِنْ قَالَ: لَسْت الْمُسَمَّى فِي هَذَا الْكِتَابِ.
فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً أَنَّهُ الْمُسَمَّى فِي الْكِتَابِ. وَإِنْ اعْتَرَفَ أَنَّ هَذَا الِاسْمَ اسْمُهُ، وَالنَّسَبَ نَسَبُهُ، وَالصِّفَةَ صِفَتُهُ، إلَّا أَنَّ الْحَقَّ لَيْسَ هُوَ عَلَيْهِ، إنَّمَا هُوَ عَلَى آخَرَ يُشَارِكُهُ فِي الِاسْمِ وَالنَّسَبِ وَالصِّفَةِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُدَّعِي فِي نَفْيِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ الْمُشَارَكَةِ فِي هَذَا كُلِّهِ، فَإِنْ أَقَامَ

اسم الکتاب : المغني المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 10  صفحة : 81
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست