responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المغني المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 10  صفحة : 469
تَعْتِقُ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا، وَلَا التَّصَرُّفُ فِيهَا بِمَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ، مِنْ الْهِبَةِ وَالْوَقْفِ، وَلَا مَا يُرَادُ لِلْبَيْعِ، وَهُوَ الرَّهْنُ، وَلَا تُورَثُ؛ لِأَنَّهَا تَعْتِقُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ، وَيَزُولُ الْمِلْكُ عَنْهَا. رُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَائِشَةَ، وَعَامَّةِ الْفُقَهَاءِ.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، إبَاحَةُ بَيْعِهِنَّ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ دَاوُد. قَالَ سَعِيدٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي أُمِّ الْوَلَدِ قَالَ: بِعْهَا كَمَا تَبِيعُ شَاتَكَ، أَوْ بَعِيرَكَ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عُبَيْدَةَ، قَالَ خَطَبَ عَلِيٌّ النَّاسَ، فَقَالَ: شَاوَرَنِي عُمَرُ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، فَرَأَيْت أَنَا وَعُمَرُ أَنْ أُعْتِقَهُنَّ، فَقَضَى بِهِ عُمَرُ حَيَاتَهُ، وَعُثْمَانُ حَيَاتَهُ، فَلَمَّا وَلِيتُ، رَأَيْت أَنْ أُرِقَّهُنَّ. قَالَ عُبَيْدَةُ: فَرَأْيُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ فِي الْجَمَاعَةِ، أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ رَأْيِ عَلِيٍّ وَحْدَهُ. وَقَدْ رَوَى صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: قُلْت لِأَبِي: إلَى أَيِّ شَيْءٍ تَذْهَبُ فِي بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ؟ قَالَ: أَكْرَهُهُ، وَقَدْ بَاعَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَقَالَ، فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ: لَا يُعْجِبُنِي بَيْعُهُنَّ.
قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُنَّ مَعَ الْكَرَاهَةِ. فَجَعَلَ هَذَا رِوَايَةً ثَانِيَةً عَنْ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِرِوَايَةٍ مُخَالِفَةٍ لِقَوْلِهِ: إنَّهُنَّ لَا يَبِعْنَ. لِأَنَّ السَّلَفَ، رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، كَانُوا يُطْلِقُونَ الْكَرَاهَةَ عَلَى التَّحْرِيمِ كَثِيرًا، وَمَتَى كَانَ التَّحْرِيمُ وَالْمَنْعُ مُصَرَّحًا بِهِ فِي سَائِرِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ، وَجَبَ حَمْلُ هَذَا اللَّفْظِ الْمُحْتَمِلِ، عَلَى الْمُصَرَّحِ بِهِ، وَلَا يُجْعَلُ ذَلِكَ اخْتِلَافًا. وَلِمَنْ أَجَازَ بَيْعَهُنَّ أَنْ يَحْتَجَّ بِمَا رَوَى جَابِرٌ، قَالَ: «بِعْنَا أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، وَأَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَهَانَا، فَانْتَهَيْنَا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَمَا كَانَ جَائِزًا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ، لَمْ يَجُزْ نَسْخُهُ بِقَوْلِ عُمَرَ وَلَا غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ نَسْخَ الْأَحْكَامِ إنَّمَا يَجُوزُ فِي عَصْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ النَّصَّ إنَّمَا يُنْسَخُ بِنَصٍّ مِثْلِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُ الصَّحَابِيِّ، فَلَا يَنْسَخُ، وَلَا يُنْسَخُ بِهِ؛ فَإِنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا يَتْرُكُونَ أَقْوَالَهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَتْرُكُونَهَا بِأَقْوَالِهِمْ، وَإِنَّمَا تُحْمَلُ مُخَالَفَةُ عُمَرَ لِهَذَا النَّصِّ، عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ، وَلَوْ بَلَغَهُ لَمْ يَعْدُهُ إلَى غَيْرِهِ، وَلِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ، وَلَمْ يَعْتِقْهَا سَيِّدُهَا، وَلَا شَيْئًا مِنْهَا، وَلَا قَرَابَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، فَلَمْ تَعْتِقْ، كَمَا لَوْ وَلَدَتْ مِنْ أَبِيهِ فِي نِكَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الرِّقُّ، وَلَمْ يَرِدْ بِزَوَالِهِ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ، وَلَا مَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ، فَوَجَبَ الْبَقَاءُ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ وِلَادَتَهَا لَوْ كَانَتْ مُوجِبَةً لِعِتْقِهَا، لَثَبَتَ الْعِتْقُ بِهَا حِينَ وُجُودِهَا، كَسَائِرِ أَسْبَابِهِ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهَا تُجْعَلُ فِي سَهْمِ وَلَدِهَا؛ لِتَعْتِقَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ سَعِيدٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: مَاتَ رَجُلٌ مِنَّا، وَتَرَكَ أُمَّ وَلَدٍ، فَأَرَادَ الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ أَنْ يَبِيعَهَا فِي دَيْنِهِ، فَأَتَيْنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: إنْ كَانَ وَلَا بُدَّ، فَاجْعَلُوهَا فِي نَصِيبِ أَوْلَادِهَا.

اسم الکتاب : المغني المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 10  صفحة : 469
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست