responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المغني المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 10  صفحة : 294
فَالصَّرِيحُ لَفْظُ الْحُرِّيَّةِ، وَالْعِتْقِ، وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُمَا، نَحْوُ: أَنْتَ حُرٌّ، أَوْ مُحَرَّرٌ، أَوْ عَتِيقٌ، أَوْ مُعْتَقٌ، أَوْ أَعْتَقْتُك. لِأَنَّ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ وَرَدَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَهُمَا يُسْتَعْمَلَانِ فِي الْعِتْقِ عُرْفًا، فَكَانَا صَرِيحَيْنِ فِيهِ، فَمَتَى أَتَى بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ، حَصَلَ بِهِ الْعِتْقُ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، عَتَقَ أَيْضًا. قَالَ أَحْمَدُ فِي رَجُلٍ لَقِيَ امْرَأَةً فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ: تَنَحِّي يَا حُرَّةُ. فَإِذَا هِيَ جَارِيَته، قَالَ: قَدْ عَتَقَتْ عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي رَجُلٍ قَالَ لَخَدَمٍ قِيَامٍ فِي وَلِيمَةٍ: مُرُّوا، أَنْتُمْ أَحْرَارٌ. وَكَانَتْ مَعَهُمْ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ، لَمْ يَعْلَمْ بِهَا، قَالَ: هَذَا عِنْدِي تَعْتِقُ أُمُّ وَلَدِهِ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا تَعْتِقَ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِاللَّفْظَةِ الْأُولَى غَيْرَ الْعِتْقِ، فَلَمْ تَعْتِقْ بِهَا، كَمَا لَوْ قَالَ: عَبْدِي حُرٌّ. يُرِيدُ أَنَّهُ عَفِيفٌ كَرِيمُ الْأَخْلَاقِ، وَبِاللَّفْظَةِ الثَّانِيَةِ أَرَادَ غَيْرَ أُمِّ وَلَدِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ نَادَى مِنْ نِسَائِهِ، فَأَجَابَتْهُ غَيْرُهَا، فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ. يَحْسَبَهَا الَّتِي نَادَاهَا، فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ، عَلَى رِوَايَةٍ، فَكَذَا هَاهُنَا. فَأَمَّا إنْ قَصَدَ غَيْرَ الْعِتْقِ، كَالرَّجُلِ يَقُولُ: عَبْدِي هَذَا حُرٌّ. يُرِيدُ عِفَّتَهُ، وَكَرْمَ أَخْلَاقِهِ. أَوْ يَقُولُ لِعَبْدِهِ: مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ. أَيْ: إنَّك لَا تُطِيعُنِي، وَلَا تَرَى لِي عَلَيْك حَقًّا وَلَا طَاعَةً، فَلَا يَعْتِقُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. قَالَ حَنْبَلٌ: سُئِلَ أَبُو عُبِدَ اللَّهِ، عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِغُلَامِهِ: أَنْتَ حُرٌّ. وَهُوَ يُعَاتِبُهُ؟ فَقَالَ: إذَا كَانَ لَا يُرِيدُ بِهِ الْعِتْقَ، يَقُولُ: كَأَنَّك حُرٌّ، وَلَا يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ حُرًّا، أَوْ كَلَامًا نَحْوَ هَذَا، رَجَوْت أَنْ لَا يَعْتِقَ، وَأَنَا أَهَابُ الْمَسْأَلَةَ؛ لِأَنَّهُ نَوَى بِكَلَامِهِ مَا يَحْتَمِلُهُ، فَانْصَرَفَ إلَيْهِ، كَمَا لَوْ نَوَى بِكِنَايَةِ الْعِتْقِ الْعِتْقَ. وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: وَإِنْ طُلِبَ اسْتِحْلَافُهُ، حَلَفَ.
وَبَيَانُ احْتِمَالِ اللَّفْظِ لِمَا أَرَادَهُ، أَنَّ الْمَرْأَةَ الْحُرَّةَ تُمْدَحُ بِهَذَا، فَيُقَالُ: امْرَأَةٌ حُرَّةٌ. يَعْنُونَ عَفِيفَةً، وَتُمْدَحُ الْمَمْلُوكَةُ بِهِ أَيْضًا، وَيُقَالُ لِلْحَيِيِّ الْكَرِيمِ الْأَخْلَاقِ: حُرٌّ. قَالَتْ سُبَيْعَةُ تَرْثِي عَبْدَ الْمُطَّلِبِ: شِعْرًا
وَلَا تَسْأَمَا أَنْ تَبْكِيَا كُلَّ لَيْلَةٍ ... وَيَوْمٍ عَلَى حُرٍّ كَرِيمِ الشَّمَائِلِ
وَأَمَّا الْكِنَايَةُ، فَنَحْوُ قَوْلِهِ: لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك، وَلَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك، وَأَنْتَ سَائِبَةٌ، وَاذْهَبْ حَيْثُ شِئْت، وَقَدْ خَلَّيْتُك. فَهَذَا إنْ نَوَى بِهِ الْعِتْقَ، عَتَقَ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ بِهِ لَمْ يَعْتِقْ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ. وَلَمْ يَرِدْ بِهِ كِتَابٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا عُرْفُ اسْتِعْمَالٍ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، فِي قَوْلِهِ: لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك، وَلَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك. رِوَايَتَيْنِ؛ إحْدَاهُمَا، أَنَّهُ صَرِيحٌ. وَالثَّانِيَةُ، أَنَّهُ كِنَايَةٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. فَأَمَّا إنْ قَالَ: لَا رِقَّ لِي عَلَيْك وَلَا مِلْكَ لِي عَلَيْك، وَأَنْتَ لِلَّهِ. فَقَالَ الْقَاضِي: هُوَ صَرِيحٌ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ.
وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ. وَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَعْتِقُ بِهِ إذَا نَوَى، وَمِمَّنْ قَالَ: يَعْتِقُ بِقَوْلِهِ:

اسم الکتاب : المغني المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 10  صفحة : 294
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست