responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المغني المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 10  صفحة : 230
الْمَالَ إنْ كَانَ قَائِمًا، وَعِوَضَهُ إنْ كَانَ تَالِفًا. فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ لِإِعْسَارِهِ أَوْ غَيْرِهِ، فَعَلَى الْحَاكِمِ ضَمَانُهُ، ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الْمَشْهُودِ لَهُ. وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى، لَا يَنْقُضُ حُكْمَهُ إذَا كَانَا فَاسِقَيْنِ، وَيَغْرَمُ الشُّهُودُ الْمَالَ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إذَا شَهِدَ عِنْدَهُ عَدْلَانِ أَنَّ الْحَاكِمَ قَبِلَهُ بِشَهَادَةِ فَاسِقَيْنِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، " وَلَا يَغْرَم الشُّهُودُ الْمَالَ، وَكَذَلِكَ الْحَاكِمُ إذَا شَهِدَ " وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِيهِ أَيْضًا.
وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْجَمِيعِ فِي أَنَّهُ يَنْقُضُ حُكْمَهُ إذَا كَانَا كَافِرَيْنِ، وَيَنْقُضُ حُكْمَ غَيْرِهِ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّهُ حَكَمَ بِشَهَادَةِ كَافِرَيْنِ، فَنَقِيسُ عَلَى ذَلِكَ مَا إذَا حَكَمَ بِشَهَادَةِ فَاسِقَيْنِ، فَإِنَّ شَهَادَةَ الْفَاسِقِينَ مُجْمَعٌ عَلَى رَدِّهَا، وَقَدْ نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى التَّبَيُّنِ فِيهَا، فَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] . وَأَمَرَ بِإِشْهَادِ الْعُدُولِ.
وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] . وَاعْتَبَرَ الرِّضَى بِالشُّهَدَاءِ، فَقَالَ تَعَالَى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] . فَيَجِبُ نَقْضُ الْحُكْمِ لِفَوَاتِ الْعَدَالَةِ، كَمَا يَجِبُ نَقْضُهُ لِفَوَاتِ الْإِسْلَامِ؛ وَلِأَنَّ الْفِسْقَ مَعْنَى لَوْ ثَبَتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ قَبْلَ الْحُكْمِ مَنَعَهُ، فَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا حَالَةَ الْحُكْمِ، وَجَبَ نَقْضُ الْحُكْمِ، كَالْكُفْرِ وَالرِّقِّ فِي الْعُقُوبَاتِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: لَا يَسْمَعُ الْحَاكِمُ الشَّهَادَةَ بِفِسْقِ الشَّاهِدَيْنِ، لَا قَبْلَ الْحُكْمِ وَلَا بَعْدَهُ. وَمَتَى جَرَّحَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ، لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَتُهُ بِالْفِسْقِ، وَلَكِنْ يُسْأَلُ عَنْ الشَّاهِدَيْنِ، وَلَا تُسْمَعُ عَلَى الْفِسْقِ شَهَادَةٌ؛ لِأَنَّ الْفِسْقَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ أَحَدٍ، فَلَا تُسْمَعُ فِيهِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ. وَلَنَا، أَنَّهُ مَعْنًى يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِهِ، فَسُمِعَتْ فِيهِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ، كَالتَّزْكِيَةِ.
وَقَوْلُهُ: لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ أَحَدٍ. مَمْنُوعٌ؛ فَإِنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ يَتَعَلَّقُ حَقُّهُ بِفِسْقِهِ فِي مَنْعِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْحُكْمِ وَنَقْضِهِ بَعْدَهُ، وَتَبْرِئَته مِنْ أَخْذِ مَالِهِ أَوْ عُقُوبَتِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَوَجَبَ أَنْ تُسْمَعَ فِيهِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ، كَمَا لَوْ ادَّعَى رِقَّ الشَّاهِدَيْنِ وَلَمْ يَدَّعِهِ لِنَفْسِهِ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ تُسْمَعْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْفِسْقِ، أَدَّى إلَى ظُلْمِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ لَا يَعْرِفَ فِسْقَ الشَّاهِدَيْنِ إلَّا شُهُودُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، فَإِذَا لَمْ تُسْمَعْ شَهَادَتُهُمْ، وَحُكِمَ عَلَيْهِ بِشَهَادَةِ الْفَاسِقَيْنِ، كَانَ ظَالِمًا لَهُ. فَأَمَّا إنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ حَكَمَ بِشَهَادَةِ وَالِدَيْنِ، أَوْ وَلَدَيْنِ، أَوْ عَدُوَّيْنِ، نَظَرَ فِي الْحَاكِمِ الَّذِي حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمَا، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَرَى الْحُكْمَ بِهِ، لَمْ يُنْقَضْ حُكْمُهُ؛ لِأَنَّهُ حَكَمَ بِاجْتِهَادِهِ فِيمَا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ، وَلَمْ يُخَالِفْ نَصًّا وَلَا إجْمَاعًا. وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَرَى الْحُكْمَ بِشَهَادَتِهِمْ، نَقَضَهُ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ بِهِ يَعْتَقِدُ بُطْلَانَهُ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَالِ وَالْإِتْلَافِ، أَنَّ الْمَالَ إنْ كَانَ بَاقِيًا، وَجَبَ رَدُّهُ إلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ أَحَقُّ بِمَالِهِ. وَإِنْ كَانَ تَالِفًا، وَجَبَ ضَمَانُهُ عَلَى آخِذِهِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ، وَلَا اسْتِحْقَاقٍ لِأَخْذِهِ. أَمَّا الْإِتْلَافُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ فِي يَدِ الْمُتْلِفِ شَيْءٌ يَرُدُّهُ، وَلَمْ يُمْكِنْ تَضْمِينُهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَتْلَفَهُ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ، وَتَسْلِيطِهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ لَا يُقِرُّ بِعُدْوَانِهِ، بَلْ يَقُولُ: اسْتَوْفَيْت حَقِّي. وَلَمْ يَثْبُتْ خِلَافُ دَعْوَاهُ، وَلَمْ يُمْكِنْ تَضْمِينُ الشُّهُودِ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: شَهِدْنَا بِمَا عَلِمْنَا، وَأَخْبَرْنَا

اسم الکتاب : المغني المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 10  صفحة : 230
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست