responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المغني المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 10  صفحة : 220
بِهِ عُقُوبَةٌ، وَلَمْ يَتَعَيَّنْ اسْتِحْقَاقُهَا، وَلَا سَبِيلَ إلَى جَبْرِهَا، فَلَمْ يَجُزْ اسْتِيفَاؤُهَا، كَمَا لَوْ رَجَعَا قَبْلَ الْحُكْمِ. وَفَارَقَ الْمَالَ؛ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ جَبْرُهُ، بِإِلْزَامِ الشَّاهِدَيْنِ عِوَضَهُ، وَالْحَدُّ وَالْقِصَاصُ لَا يَنْجَبِرُ بِإِيجَابِ مِثْلِهِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِجَبْرٍ، وَلَا يَحْصُلُ لِمَنْ وَجَبَ لَهُ مِنْهُ عِوَضٌ، وَإِنَّمَا شُرِعَ لِلزَّجْرِ وَالتَّشَفِّي وَالِانْتِقَامِ، لَا لِلْجَبْرِ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قُلْتُمْ: إنَّهُ إذَا حُكِمَ بِالْقِصَاصِ، ثُمَّ فَسَقَ الشَّاهِدَانِ، اُسْتُوْفِيَ. فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ.
قُلْنَا: الرُّجُوعُ أَعْظَمُ فِي الشُّبْهَةِ مِنْ طَرَيَان الْفِسْقِ لِأَنَّهُمَا يُقِرَّانِ أَنَّ شَهَادَتَهُمَا زُورٌ، وَأَنَّهُمَا كَانَا فَاسِقَيْنِ حِينَ شَهِدَا، وَحِينَ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِشَهَادَتِهِمَا، وَهَذَا الَّذِي طَرَأَ فِسْقُهُ لَا يَتَحَقَّقُ كَوْنُ شَهَادَتِهِ كَذِبًا، وَلَا أَنَّهُ كَانَ فَاسِقًا حِينَ أَدَّى الشَّهَادَةَ، وَلَا حِينَ الْحُكْمِ بِهَا، وَلِهَذَا لَوْ فَسَقَ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ، لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَالرَّاجِعَانِ تَلْزَمُهُمَا غَرَامَةُ مَا شَهِدَا بِهِ فَافْتَرَقَا. وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ مَالًا، اُسْتُوْفِيَ، وَلَمْ يُنْقَضْ حُكْمُهُ. فِي قَوْلِ أَهْلِ الْفُتْيَا مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ.
وَحُكِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْأَوْزَاعِيِّ، أَنَّهُمَا قَالَا: يُنْقَضُ الْحُكْمُ، وَإِنْ اُسْتُوْفِيَ الْحَقُّ ثَبَتَ بِشَهَادَتِهِمَا، فَإِذَا رَجَعَا، زَالَ مَا ثَبَتَ بِهِ الْحُكْمُ، فَنُقِضَ الْحُكْمُ، كَمَا لَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُمَا كَانَا كَافِرَيْنِ.
وَلَنَا، أَنَّ حَقَّ الْمَشْهُودِ لَهُ وَجَبَ لَهُ، فَلَا يَسْقُطُ بِقَوْلِهِمَا، كَمَا لَوْ ادَّعَيَاهُ لَأَنْفُسِهِمَا، يُحَقِّقُ هَذَا أَنَّ حَقَّ الْإِنْسَانِ لَا يَزُولُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ، وَرُجُوعُهُمَا لَيْسَ بِشَهَادَةٍ، وَلِهَذَا لَا يَفْتَقِرُ إلَى لَفْظِ الشَّهَادَةِ، وَلَا هُوَ إقْرَارٌ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ. وَفَارَقَ مَا إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُمَا كَانَا كَافِرَيْنِ؛ لِأَنَّنَا تَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْحُكْمِ، وَهُوَ شَهَادَةُ الْعُدُولِ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَمْ يَتَبَيَّنْ ذَلِكَ؛ بِجَوَازِ أَنْ يَكُونَا عَدْلَيْنِ صَادِقَيْنِ فِي شَهَادَتِهِمَا، وَإِنَّمَا كَذَبَا فِي رُجُوعِهِمَا، وَيُفَارِقُ الْعُقُوبَاتِ، حَيْثُ لَا تُسْتَوْفَى؛ فَإِنَّهَا تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ.
الْحَالُ الثَّالِثُ، أَنْ يَرْجِعَا بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ الْحُكْمُ، وَلَا يَلْزَمُ الْمَشْهُودَ لَهُ شَيْءٌ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ مَالًا أَوْ عُقُوبَةً؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ تَمَّ بِاسْتِيفَاءِ الْمَحْكُومِ بِهِ، وَوُصُولِ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ، ثُمَّ يُنْظَرُ؛ فَإِنْ كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ إتْلَافًا فِي مِثْلِهِ الْقِصَاصُ، كَالْقَتْلِ وَالْجَرْحِ، نَظَرْنَا فِي رُجُوعِهِمَا، فَإِنْ قَالَا: عَمَدْنَا الشَّهَادَةَ عَلَيْهِ بِالزُّورِ؛ لِيُقْتَلَ أَوْ يُقْطَعَ. فَعَلَيْهِمَا الْقِصَاصُ. وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا قَوَدَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُبَاشِرَا الْإِتْلَافَ، فَأَشْبَهَا حَافِرَ الْبِئْرِ، وَنَاصِبَ السِّكِّينِ، إذَا تَلِفَ بِهِمَا شَيْءٌ. وَلَنَا، أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شَهِدَ عِنْدَهُ رَجُلَانِ عَلَى رَجُلٍ بِالسَّرِقَةِ، فَقَطَعَهُ، ثُمَّ عَادَا، فَقَالَا: أَخْطَأْنَا، لَيْسَ هَذَا هُوَ السَّارِقُ. فَقَالَ عَلِيٌّ: لَوْ عَلِمْت أَنَّكُمَا تَعَمَّدْتُمَا، لَقَطَعْتُكُمَا. وَلَا مُخَالِفَ لَهُ فِي الصَّحَابَةِ، فَيَكُونُ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّهُمَا تَسَبَّبَا إلَى قَتْلِهِ أَوْ قَطْعِهِ، بِمَا يُفْضِي إلَيْهِ غَالِبًا، فَلَزِمَهُمَا الْقِصَاصُ، كَالْمُكْرَهِ، وَفَارَقَ الْحَفْرَ وَنَصْبَ السِّكِّينِ، فَإِنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى الْقَتْلِ غَالِبًا.

اسم الکتاب : المغني المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 10  صفحة : 220
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست