responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المغني المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 10  صفحة : 206
وقَوْله تَعَالَى: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ} [المائدة: 106] . إنَّمَا كَانَ فِي حَقِّ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ، وَهِيَ قَضِيَّةٌ خُولِفَ فِيهَا الْقِيَاسُ فِي مَوَاضِعَ؛ مِنْهَا قَبُولُ شَهَادَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَمِنْهَا اسْتِحْلَافُ الشَّاهِدَيْنِ، وَمِنْهَا اسْتِحْلَافُ خُصُومِهِمَا عِنْدَ الْعُثُورِ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِمَا الْإِثْمَ، وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ بِهَا أَصْلًا، فَكَيْفَ يَحْتَجُّونَ بِهَا؟ وَلَمَّا ذَكَرَ أَيْمَانَ الْمُسْلِمِينَ أَطْلَقَ الْيَمِينَ، وَلَمْ يُقَيِّدْهَا.
وَالِاحْتِجَاجُ بِهَذَا أَوْلَى مِنْ الْمَصِيرِ إلَى مَا خُولِفَ فِيهِ الْقِيَاسُ وَتُرِكَ الْعَمَلُ بِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُهُمْ، فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْيَمِينِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، إنَّمَا فِيهِ تَغْلِيظُ الْيَمِينِ عَلَى الْحَالِفِ عِنْدَهُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا الِاسْتِحْلَافُ عِنْدَهُ. وَأَمَّا قِصَّةُ مَرْوَانَ، فَمِنْ الْعَجَبِ احْتِجَاجُهُمْ بِهَا، وَذَهَابُهُمْ إلَى قَوْلِ مَرْوَانَ فِي قَضِيَّةٍ خَالَفَهُ زَيْدٌ فِيهَا، وَقَوْلُ زَيْدٍ، فَقِيهِ الصَّحَابَةِ وَقَاضِيهمْ وَأَفْرَضِهِمْ، أَحَقُّ أَنْ يُحْتَجَّ بِهِ مِنْ قَوْلِ مَرْوَانَ؛ فَإِنَّ قَوْلَ مَرْوَانَ لَوْ انْفَرَدَ، مَا جَازَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَى مُخَالَفَةِ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَقَوْلِ أَئِمَّتِهِمْ وَفُقَهَائِهِمْ، وَمُخَالَفَتِهِ فَعَلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِطْلَاقَ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى؟ وَهَذَا مَا لَا يَجُوزُ.
وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْخِرَقِيِّ التَّغْلِيظَ بِالْمَكَانِ وَاللَّفْظِ فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ، لِاسْتِحْلَافِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْيَهُودَ، بِقَوْلِهِ: «نَشَدْتُكُمْ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى» . وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِي حَقِّ الْكِتَابِيَّيْنِ {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ} [المائدة: 106] . وَلِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ كَعْبِ بْنِ سُورٍ، فِي نَصْرَانِيٍّ قَالَ: اذْهَبُوا بِهِ إلَى الْمَذْبَحِ، وَاجْعَلُوا الْإِنْجِيلَ فِي حِجْرِهِ، وَالتَّوْرَاةَ عَلَى رَأْسِهِ.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ فِي نَصْرَانِيٍّ: اذْهَبْ بِهِ إلَى الْبِيعَةِ، فَاسْتَحْلِفْهُ بِمَا يُسْتَحْلَفُ بِهِ مِثْلُهُ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا أَعْلَمُ حُجَّةً تُوجِبُ أَنْ يُسْتَحْلَفَ فِي مَكَان بِعَيْنِهِ، وَلَا بِيَمِينٍ غَيْرِ الَّذِي يُسْتَحْلَفُ بِهَا الْمُسْلِمُونَ. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، فَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، فِي أَنَّ التَّغْلِيظَ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْأَلْفَاظِ غَيْرُ وَاجِبٍ، إلَّا أَنَّ ابْنَ الصَّبَّاغِ ذَكَرَ أَنَّ فِي وُجُوبِ التَّغْلِيظِ بِالْمَكَانِ قَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ.
وَخَالَفَهُ ابْنُ الْقَاصِّ، فَقَالَ: لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، فِي أَنَّ الْقَاضِيَ حَيْثُ اسْتَحْلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي عَمَلِهِ وَبَلَدِ قَضَائِهِ، جَازَ، وَإِنَّمَا التَّغْلِيظُ بِالْمَكَانِ فِيهِ اخْتِيَارٌ فَيَكُونُ التَّغْلِيظُ عِنْدَ مَنْ رَآهُ اخْتِيَارًا وَاسْتِحْسَانًا.

اسم الکتاب : المغني المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 10  صفحة : 206
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست