responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المغني المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 10  صفحة : 198
ثُمَّ مَاتَ، قَالَ: قَدْ انْتَقَلَ الْمَبِيعُ إلَى الْوَرَثَةِ، وَحَصَلَ مِلْكًا لَهُمْ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ الدَّيْنُ يَسْتَغْرِقُ التَّرِكَةَ، مُنِعَ نَقْلُهَا إلَى الْوَرَثَةِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَغْرِقُهَا، لَمْ يُمْنَعْ انْتِقَالُ شَيْءٍ مِنْهَا.
وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ: يُمْنَعُ بِقَدْرِهِ. وَقَدْ أَوْمَأَ أَحْمَدُ إلَى مِثْلِ هَذَا؛ فَإِنَّهُ قَالَ، فِي أَرْبَعَةِ بَنِينَ تَرَكَ أَبُوهُمْ دَارًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَقَالَ أَحَدُ الْبَنِينَ: أَنَا أُعْطِي، وَدَعُوا لِي الرُّبْعَ. فَقَالَ أَحْمَدُ: هَذِهِ الدَّارُ لِلْغُرَمَاءِ، لَا يَرِثُونَ شَيْئًا حَتَّى يُؤَدُّوا الدَّيْنَ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَنْتَقِلْ إلَيْهِمْ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْوَارِثَ مِنْ إمْسَاكِ الرُّبْعِ بِدَفْعِ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَمْ يَثْبُتْ فِي ذِمَمِ الْوَرَثَةِ، فَيَجِبُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالتَّرِكَةِ.
وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، وَلِهَذَا قُلْنَا: إنَّ الْغَرِيمَ لَا يَحْلِفُ عَلَى دَيْنِ الْمَيِّتِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الدَّيْنَ مَحَلُّهُ الذِّمَّةُ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَةِ، فَيَتَخَيَّرُ الْوَرَثَةُ بَيْنَ قَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْهَا، أَوْ مِنْ غَيْرِهَا كَالرَّهْنِ وَالْجَانِي، وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُ الْغُرَمَاءَ نَفَقَةُ الْعَبِيدِ، وَلَا يَكُونُ نَمَاءُ التَّرِكَةِ لَهُمْ، وَلِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ تَنْتَقِلَ إلَيَّ الْوَرَثَةِ، أَوْ إلَى الْغُرَمَاءِ، أَوْ تَبْقَى لِلْمَيِّتِ، أَوْ لَا تَكُونَ لَأَحَدٍ، لَا يَجُوزُ أَنْ تَنْتَقِلَ إلَى الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ انْتَقَلَتْ إلَيْهِمْ، لَزِمَهُمْ نَفَقَةُ الْحَيَوَانِ، وَكَانَ نَمَاؤُهَا لَهُمْ غَيْرَ مَحْسُوبٍ مِنْ دَيْنِهِمْ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَبْقَى لِلْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ أَهْلًا لِلْمِلْكِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ لَا تَكُونَ لَأَحَدٍ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ مَمْلُوكٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ مَالِكٍ؛ وَلِأَنَّهَا لَوْ بَقِيَتْ بِغَيْرِ مَالِكٍ، لَأُبِيحَتْ لِمَنْ يَتَمَلَّكُهَا، كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ، فَثَبَتَ أَنَّهَا انْتَقَلَتْ إلَى الْوَرَثَة.
فَعَلَى هَذَا، إذَا نَمَتْ التَّرِكَةُ، مِثْلُ أَنْ غَلَتْ الدَّارُ، وَأَثْمَرَتْ النَّخِيلُ، وَنَتَجَتْ الْمَاشِيَةُ، فَهُوَ لِلْوَارِثِ، يَنْفَرِدُ بِهِ، لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ، فَأَشْبَهَ كَسْبَ الْجَانِي. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ؛ كَنَمَاءِ الرَّهْنِ. وَمَنْ اخْتَارَ الْأَوَّلَ، قَالَ: تَعَلُّقُ الْحَقِّ بِالرَّهْنِ آكَدُ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِاخْتِيَارِ الْمَالِكِ وَرِضَاهُ، وَلِهَذَا مُنِعَ التَّصَرُّفُ فِيهِ، وَهَذَا يَثْبُتُ بِغَيْرِ رِضَى الْمَالِكِ، وَلَمْ يُمْنَعْ التَّصَرُّفَ، فَكَانَ أَشْبَهَ بِالْجَانِي.
وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، يَكُونُ نَمَاءُ التَّرِكَةِ حُكْمُهُ حُكْمُ التَّرِكَةِ، وَمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْمُؤْنَةِ مِنْهَا. وَإِنْ تَصَرَّفَ الْوَرَثَةُ فِي التَّرِكَةِ، بِبَيْعِ أَوْ هِبَةٍ أَوْ قِسْمَةٍ، فَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى، تَصَرُّفُهُمْ صَحِيحٌ، فَإِنْ قَضَوْا الدَّيْنَ وَإِلَّا نُقِضَتْ تَصَرُّفَاتُهُمْ، كَمَا لَوْ تَصَرَّفَ السَّيِّدُ فِي الْعَبْدِ الْجَانِي وَلَمْ يَقْضِ دَيْنَ الْجِنَايَةِ. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، تَصَرُّفَاتُهُمْ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُمْ تَصَرَّفُوا فِيمَا لَمْ يَمْلِكُوهُ.

[فَصْل خَلَّفَ ثَلَاثَةَ بَنِينَ وَأَبَوَيْنِ فَادَّعَى الْبَنُونَ أَنْ أَبَاهُمْ وَقَفَ دَارِهِ عَلَيْهِمْ فِي صِحَّتِهِ وَأَقَامُوا بِذَلِكَ شَاهِدًا وَاحِدًا]
(8426) فَصْلٌ: إذَا خَلَّفَ ثَلَاثَةَ بَنِينَ وَأَبَوَيْنِ، فَادَّعَى الْبَنُونَ أَنْ أَبَاهُمْ وَقَفَ دَارِهِ عَلَيْهِمْ فِي صِحَّتِهِ، وَأَقَامُوا بِذَلِكَ شَاهِدًا وَاحِدًا، حَلَفُوا مَعَهُ، وَصَارَتْ وَقْفًا عَلَيْهِمْ، وَسَقَطَ حَقُّ الْأَبَوَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَحْلِفُوا مَعَهُ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ وَلَا لَهُ وَصِيَّةٌ، حَلَفَ الْأَبَوَانِ، وَكَانَ نَصِيبُهُمَا طَلْقًا لَهُمَا، وَنَصِيبُ الْبَنِينَ وَقْفًا عَلَيْهِمْ بِإِقْرَارِهِمْ؛ لِأَنَّهُ يَنْفُذُ بِإِقْرَارِهِمْ.
وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ، أَوْ وَصَّى بِشَيْءٍ، قُضِيَ دَيْنُهُ، وَنَفَذَتْ وَصِيَّتُهُ، وَمَا بَقِيَ بَيْنَ الْوَرَثَةِ، فَمَا حَصَلَ لِلْبَنِينَ

اسم الکتاب : المغني المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 10  صفحة : 198
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست