responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المغني المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 10  صفحة : 186
[مَسْأَلَة شَهِدَ وَهُوَ عَدْلٌ فَلَمْ يُحْكَمْ بِشَهَادَتِهِ حَتَّى حَدَثَ مِنْهُ مَا لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ مَعَهُ]
(8405) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَوْ شَهِدَ وَهُوَ عَدْلٌ، فَلَمْ يُحْكَمْ بِشَهَادَتِهِ حَتَّى حَدَثَ مِنْهُ مَا لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ مَعَهُ، لَمْ يُحْكَمْ بِهَا) . وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ إذَا شَهِدَا عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَهُمَا مِمَّنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَلَمْ يَحْكُمْ بِهَا حَتَّى فَسَقَا، أَوْ كُفْرًا، لَمْ يَحْكُمْ بِشَهَادَتِهِمَا. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَالشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَالْمُزَنِيُّ: يَحْكُمُ بِهَا؛ لِأَنَّ بَقَاءَ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ لَيْسَ شَرْطًا فِي الْحُكْمِ؛ بِدَلِيلِ مَا لَوْ مَاتَا؛ وَلِأَنَّ فِسْقَهُمَا تَجَدَّدَ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ تَجَدَّدَ بَعْدَ الْحُكْمِ بِهَا. وَوَجْهُ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنَّ عَدَالَةَ الشَّاهِدِ شَرْطٌ لِلْحُكْمِ فَيُعْتَبَرُ دَوَامُهَا إلَى حِينِ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الشُّرُوطَ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهَا فِي الْمَشْرُوطِ، وَإِذَا فَسَقَ انْتَفَى الشَّرْطُ، فَلَمْ يَجُزْ الْحُكْمُ.
وَالثَّانِي، أَنَّ ظُهُورَ فِسْقِهِ وَكُفْرِهِ، يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِهِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْإِنْسَانَ يُسِرُّ الْفِسْقَ، وَيُظْهِرُ الْعَدَالَةَ، وَالزِّنْدِيقُ يُسِرُّ كُفْرَهُ، وَيُظْهِرُ إسْلَامَهُ، فَلَا نَأْمَنُ كَوْنَهُ كَافِرًا أَوْ فَاسِقًا حِينَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ، فَلَمْ يَجُزْ الْحُكْمَ بِهَا مَعَ الشَّكِّ فِيهَا، فَأَمَّا إنْ حَدَثَ هَذَا مِنْهُ بَعْدَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِ، لَمْ يُنْقَضْ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ وَقَعَ صَحِيحًا، لِاسْتِمْرَارِ شَرْطِهِ إلَى انْتِهَائِهِ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ مَقْرُونًا بِشَرْطِهِ ظَاهِرًا، فَلَا يُنْقَضُ بِالشَّكِّ، كَمَا لَوْ رَجَعَ عَنْ الشَّهَادَةِ، وَكَمَا لَوْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ، ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ، لَكِنْ إنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ، وَكَانَ حَدًّا لِلَّهِ تَعَالَى، لَمْ يَجُزْ اسْتِيفَاؤُهُ؛ بِالشُّبُهَاتِ لِأَنَّهُ يُدْرَأُ، وَهَذَا شُبْهَةٌ فِيهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ رَجَعَ عَنْ الْإِقْرَارِ بِهِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ.
وَإِنْ كَانَ مَالًا اُسْتُوْفِيَ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ تَمَّ، وَثَبَتَ الِاسْتِحْقَاقُ بِأَمْرٍ ظَاهِرِ الصِّحَّةِ، فَلَا يَبْطُلُ بِأَمْرٍ مُحْتَمِلٍ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَبْطُلْ رُجُوعُهُ عَنْ إقْرَارِهِ. وَإِنْ كَانَ حَدَّ قَذْفٍ أَوْ قِصَاصًا، احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، يُسْتَوْفَى. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ مُطَالَبٌ بِهِ، أَشْبَهَ الْمَالَ. وَالثَّانِي، لَا يُسْتَوْفَى. وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ عَلَى الْبَدَنِ، تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، أَشْبَهَ الْحَدَّ. وَلِلشَّافِعِيِّ وَجْهَانِ، كَهَذَيْنِ. وَأَمَّا مَا حَدَثَ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ، فَلَا يُؤَثِّرُ فِي حَدٍّ وَلَا حَقٍّ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ اُسْتُوْفِيَ بِمَا ظَاهِرُهُ الصِّحَّةُ، وَسَوَّغَ الشَّرْعُ اسْتِيفَاءَهُ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ مَا طَرَأَ بَعْدَهُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَظْهَرْ شَيْءٌ.

[فَصْل أَدَّيَا الشَّهَادَةَ وَهُمَا مِنْ أَهْلِهَا ثُمَّ مَاتَا قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا]
(8406) فَصْلٌ: فَأَمَّا إنْ أَدَّيَا الشَّهَادَةَ، وَهُمَا مِنْ أَهْلِهَا، ثُمَّ مَاتَا قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا، حَكَمَ الْحَاكِمُ بِشَهَادَتِهِمَا، سَوَاءٌ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُمَا فِي حَيَاتِهِمَا، أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِمَا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ حَدًّا أَوْ غَيْرَهُ. وَكَذَلِكَ إنْ جُنُّوا، أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِمْ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَا يُؤَثِّرُ فِي شَهَادَتِهِ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى الْكَذِبِ فِيهَا. وَلَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا حَالَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ، وَالْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ فِي مَعْنَاهُ، بِخِلَافِ الْفِسْقِ وَالْكُفْرِ.

اسم الکتاب : المغني المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 10  صفحة : 186
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست