responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المغني المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 10  صفحة : 168
وَلَنَا، مَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ وَلَا خَائِنَةٍ، وَلَا زَانٍ وَلَا زَانِيَةٍ، وَلَا ذِي غِمْرٍ عَلَى أَخِيهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. الْغِمْرُ: الْحِقْدُ. وَلِأَنَّ الْعَدَاوَةَ تُورِثَ التُّهْمَةَ. فَتَمْنَعُ الشَّهَادَةَ، كَالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ، وَتُخَالِفُ الصَّدَاقَةَ؛ فَإِنَّ فِي شَهَادَةِ الصَّدِيقِ لِصَدِيقِهِ بِالزُّورِ نَفْعَ غَيْرِهِ بِمَضَرَّةِ نَفْسِهِ، وَبَيْعَ آخِرَتِهِ بِدُنْيَا غَيْرِهِ، وَشَهَادَةُ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ يَقْصِدُ بِهَا نَفْعَ نَفْسِهِ، بِالتَّشَفِّي مِنْ عَدُوِّهِ، فَافْتَرَقَا. فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ قَبِلْتُمْ شَهَادَةَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْكُفَّارِ مَعَ الْعَدَاوَةِ؟ قُلْنَا: الْعَدَاوَةُ هَاهُنَا دِينِيَّةٌ، وَالدِّينُ لَا يَقْتَضِي شَهَادَةَ الزُّورِ، وَلَا أَنْ يَتْرُكَ دِينَهُ بِمُوجِبِ دِينِهِ.

[فَصْل شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ بِحَقِّ فَقَذَفَهُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ]
(8376) فَصْلٌ: فَإِنْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ بِحَقٍّ، فَقَذَفَهُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، لَمْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّنَا لَوْ أَبْطَلْنَا شَهَادَتَهُ بِهَذَا لَتَمَكَّنَ كُلُّ مَشْهُودٍ عَلَيْهِ مِنْ إبْطَالٍ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ بِأَنْ يَقْذِفَهُ، وَيُفَارِقُ مَا لَوْ طَرَأَ الْفِسْقُ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ، وَقَبْلَ الْحُكْمِ، فَإِنَّ رَدَّ الشَّهَادَةِ فِيهِ لَا يُفْضِي إلَى ذَلِكَ، بَلْ إلَى عَكْسِهِ، وَلِأَنَّ طَرَيَان الْفِسْقِ يُورِثُ تُهْمَةً فِي حَالِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ إسْرَارُهُ، فَظُهُورُهُ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُسِرُّهُ حَالَةَ أَدَائِهَا، وَهَا هُنَا حَصَلَتْ الْعَدَاوَةُ بِأَمْرِ لَا تُهْمَةَ عَلَى الشَّاهِدِ فِيهِ.
وَأَمَّا الْمُحَاكَمَةُ فِي الْأَمْوَالِ، فَلَيْسَتْ بِعَدَاوَةِ تَمْنَعُ الشَّهَادَةَ فِي غَيْرِ مَا حَاكِمَ فِيهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَلَا جَارٍ إلَى نَفْسِهِ. فَإِنَّ الْجَارَ إلَى نَفْسِهِ هُوَ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِشَهَادَتِهِ، وَيَجُرُّ إلَيْهِ بِهَا نَفْعًا؛ كَشَهَادَةِ الْغُرَمَاءِ لِلْمُفْلِسِ بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ، وَشَهَادَتِهِمْ لِلْمَيِّتِ بِدَيْنٍ أَوْ مَالٍ، فَإِنَّهُ لَوْ ثَبَتَ لِلْمُفْلِسِ أَوْ الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَوْ مَالٌ، تَعَلَّقَتْ حُقُوقُهُمْ بِهِ، وَيُفَارِقُ مَا لَوْ شَهِدَ الْغُرَمَاءُ لَحَيٍّ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ بِمَالٍ، فَإِنَّ شَهَادَتَهُمْ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ مُعْسِرًا سَقَطَتْ عَنْهُ الْمُطَالَبَةُ، فَإِذَا شَهِدَا لَهُ بِمَالٍ، مَلَكَا مُطَالَبَتَهُ، فَجَرُّوا إلَى أَنْفُسِهِمْ نَفْعًا. قُلْنَا: لَمْ تَثْبُتْ الْمُطَالَبَةُ بِشَهَادَتِهِمْ، إنَّمَا تَثْبُتُ بِيَسَارِهِ وَإِقْرَارِهِ؛ لِدَعْوَاهُ الْحَقَّ الَّذِي شَهِدُوا بِهِ. وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَارِثِ لِلْمَوْرُوثِ بِالْجَرْحِ قَبْلَ الِانْدِمَالِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَسْرِي الْجَرْحُ إلَى نَفْسِهِ، فَتَجِبُ الدِّيَةُ لَهُمْ بِشَهَادَتِهِمْ. وَلَا شَهَادَةُ الشَّفِيعِ بِبَيْعِ شِقْصٍ لَهُ فِيهِ الشُّفْعَةُ. وَلَا شَهَادَةُ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ، وَلَا لِمُكَاتَبِهِ.
قَالَ الْقَاضِي: وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَجِيرِ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ. وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ قَبِلْتُمْ شَهَادَةَ الْوَارِثِ لِمَوْرُوثِهِ، مَعَ أَنَّهُ إذَا مَاتَ وَرِثَهُ، فَقَدْ جَرَّ إلَى نَفْسِهِ بِشَهَادَتِهِ نَفْعًا؟

اسم الکتاب : المغني المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 10  صفحة : 168
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست