responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المغني المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 1  صفحة : 428
وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْجَمَاعَةَ مَشْرُوعَةٌ لِلْعُرَاةِ. وَبِهِ قَالَ قَتَادَةُ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: يُصَلُّونَ فُرَادَى. قَالَ مَالِكٌ: وَيَتَبَاعَدُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ. وَإِنْ كَانُوا فِي ظُلْمَةٍ صَلَّوْا جَمَاعَةً، وَيَتَقَدَّمُهُمْ إمَامُهُمْ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ كَقَوْلِهِمْ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: الْجَمَاعَةُ وَالِانْفِرَادُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ فِي الْجَمَاعَةِ الْإِخْلَالَ بِسُنَّةِ الْمَوْقِفِ، وَفِي الِانْفِرَادِ الْإِخْلَالَ بِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ، فَيَسْتَوِيَانِ، وَوَافَقَنَا فِي أَنَّ إمَامَهُمْ يَقُومُ وَسَطَهُمْ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْجَمَاعَةِ لِلنِّسَاءِ الْعُرَاةِ؛ لِأَنَّ مَوْقِفَ إمَامَتِهِنَّ فِي وَسَطِهِنَّ، فَمَا حَصَلَ فِي حَقِّهِنَّ إخْلَالٌ بِفَضِيلَةِ الْمَوْقِفِ، وَوَافَقَنَا فِي الرِّجَالِ إذَا كَانَ مَعَهُمْ مُكْتَسٍ يَصْلُحُ أَنْ يَؤُمَّهُمْ، وَلَنَا، أَنَّهُ يُمْكِنُهُمْ الْجَمَاعَةُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ، فَلَزِمَهُمْ كَالْمُسْتَتِرِينَ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمِيعِ تَفْضُلُ عَلَى صَلَاتِهِ وَحْدَهُ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» . عَامٌّ فِي كُلِّ مُصَلٍّ، وَلَا تَسْقُطُ الْجَمَاعَةُ لِتَعَذُّرِ سَبَبِهَا فِي الْمَوْقِفِ، كَمَا لَوْ كَانُوا فِي مَكَان ضَيِّقٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَقَدَّمَهُمْ إمَامُهُمْ. وَإِذَا شُرِعَتْ الْجَمَاعَةُ لِعُرَاةِ النِّسَاءِ، مَعَ أَنَّ السَّتْرَ فِي حَقِّهِنَّ آكَدُ، وَالْجَمَاعَةَ فِي حَقِّهِنَّ أَخَفُّ، فَلِلرِّجَالِ أَوْلَى وَأَحْرَى، وَغَضُّ الْبَصَرِ يَحْصُلُ بِكَوْنِهِمْ صَفًّا وَاحِدًا، يَسْتُرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.
إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُمْ يُصَلُّونَ صَفًّا وَاحِدًا، وَيَكُونُ إمَامُهُمْ فِي وَسَطِهِمْ، لِيَكُونَ أَسْتَرَ لَهُ، وَأَغَضَّ لِأَبْصَارِهِمْ عَنْهُ. وَكَذَلِكَ سُنَّ لِإِمَامَةِ النِّسَاءِ الْقِيَامُ وَسَطَهُنَّ فِي كُلِّ حَالٍ. لِأَنَّهُنَّ عَوْرَاتٌ، فَإِنْ كَانَ مَعَ الرِّجَالِ نِسَاءٌ عُرَاةٌ تَنَحَّيْنَ عَنْهُمْ؛ لِئَلَّا يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَيُصَلِّينَ جَمَاعَةً أَيْضًا كَالرِّجَالِ، إلَّا أَنَّ الْجَمَاعَةَ فِي حَقِّهِنَّ أَدْنَى مِنْهَا فِي حَقِّ الرِّجَالِ، كَمَا لَوْ كَانُوا غَيْرَ عُرَاةٍ. فَإِنْ كَانَ الْجَمِيعُ فِي مَجْلِسٍ، أَوْ فِي مَكَان ضَيِّقٍ، صَلَّى الرِّجَالُ، وَاسْتَدْبَرَهُمْ النِّسَاءُ، ثُمَّ صَلَّى النِّسَاءُ وَاسْتَدْبَرَهُنَّ الرِّجَالُ؛ لِئَلَّا يَرَى بَعْضُهُمْ عَوْرَاتِ بَعْضٍ. فَإِنْ كَانَ الرِّجَالُ لَا يَسَعُهُمْ صَفٌّ وَاحِدٌ، وَالنِّسَاءُ وَقَفُوا صُفُوفًا، وَغَضُّوا أَبْصَارَهُمْ عَمَّنْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ.

[مَسْأَلَة الْعُرَاةِ إذَا صَلُّوا قُعُودًا]
(829) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ، رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهُمْ يَسْجُدُونَ بِالْأَرْضِ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فِي الْعُرَاةِ إذَا صَلَّوْا قُعُودًا؛ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُمْ يُومِئُونَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ سَقَطَ عَنْهُمْ لِحِفْظِ عَوْرَاتِهِمْ، فَيَسْقُطُ السُّجُودُ؛ لِأَنَّ ظُهُورَهَا بِالسُّجُودِ أَكْثَرُ وَأَفْحَشُ، فَوَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ. وَرُوِيَ أَنَّهُمْ يَسْجُدُونَ بِالْأَرْضِ؛ لِأَنَّ السُّجُودَ آكَدُ مِنْ الْقِيَامِ؛ لِكَوْنِهِ مَقْصُودًا فِي نَفْسِهِ، وَلَا يَسْقُطُ فِيمَا يَسْقُطُ فِيهِ الْقِيَامُ، وَهُوَ صَلَاةُ النَّافِلَةِ، فَلِهَذَا لَمْ يَسْقُطْ وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَنْ أَحْمَدَ، فِي الْقِيَامِ أَيْضًا؛ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ الْعُرَاةَ يُصَلُّونَ قِيَامًا، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْعُرَاةِ: يَقُومُ إمَامُهُمْ فِي وَسَطِهِمْ. وَرَوَى عَنْهُ الْأَثْرَمُ أَنَّهُ قَالَ: إنْ تَوَارَى بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ؛ فَصَلَّوْا قِيَامًا، فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ.
قِيلَ: فَيُومِئُونَ أَمْ يَسْجُدُونَ؟ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، السُّجُودُ لَا بُدَّ مِنْهُ. فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السُّجُودَ لَا يَسْقُطْ، وَأَنَّ الْأَفْضَلَ الْقِيَامُ فِي الْخَلْوَةِ، إلَّا أَنَّ الْخَلَّالَ قَالَ: هَذَا تَوَهُّمٌ مِنْ الْأَثْرَمِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: يَقُومُ فِي وَسَطِهِمْ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (إلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا) . لَمْ يُرِدْ بِهِ الْقِيَامَ عَلَى رِجْلٍ.

[فَصْلٌ فَإِنْ كَانَ مَعَ الْعُرَاةِ وَاحِدٌ لَهُ ثَوْبٌ لَزِمَتْهُ الصَّلَاةُ فِيهِ]
(830) فَصْلٌ: فَإِنْ كَانَ مَعَ الْعُرَاةِ وَاحِدٌ لَهُ ثَوْبٌ، لَزِمَتْهُ الصَّلَاةُ فِيهِ، لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى السُّتْرَةِ. فَإِنْ أَعَارَهُ وَصَلَّى عُرْيَانًا، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ؛ لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعِيرَهُ بَعْدَ صَلَاتِهِ فِيهِ لِغَيْرِهِ، لِيُصَلِّيَ فِيهِ؛ لِقَوْلِ

اسم الکتاب : المغني المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 1  صفحة : 428
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست