responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المغني المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 1  صفحة : 322
ذَكَرُوهُ فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا فِي الشَّامِ سِوَى الْعَاصِي، وَالْفُرَاتُ حَدُّ الشَّامِ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَشْرِقِ.
فَمَنْ عَلِمَ هَذِهِ الْأَدِلَّةَ فَهُوَ مُجْتَهِدٌ، وَقَدْ يَسْتَدِلُّ أَهْلُ كُلِّ بَلْدَةٍ بِأَدِلَّةٍ تَخْتَصُّ بِبَلْدَتِهِمْ؛ مِنْ جِبَالِهَا، وَأَنْهَارِهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ، مِثْلُ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّ جَبَلًا بِعَيْنِهِ يَكُونُ فِي قِبْلَتِهِمْ، أَوْ عَلَى أَيْمَانِهِمْ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْجِهَاتِ. وَكَذَلِكَ إنْ عَلِمَ مَجْرَى نَهْرٍ بِعَيْنِهِ. فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ، إذَا خَفِيَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ فِي السَّفَرِ، وَلَمْ يَجِدْ مُخْبِرًا، فَفَرْضُهُ الصَّلَاةُ إلَى جِهَةٍ يُؤَدِّيهِ اجْتِهَادُهُ إلَيْهَا.
فَإِنْ خَفِيَتْ عَلَيْهِ الْأَدِلَّةُ لِغَيْمٍ أَوْ ظُلْمَةٍ، تَحَرَّى فَصَلَّى، وَالصَّلَاةُ صَحِيحَةٌ؛ لِمَا نَذْكُرُهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ، وَلِأَنَّهُ بَذَلَ وُسْعَهُ فِي مَعْرِفَةِ الْحَقِّ، مَعَ عِلْمِهِ بِأَدِلَّتِهِ، فَأَشْبَهَ الْحَاكِمَ وَالْعَالِمَ إذَا خَفِيَتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ.

[فَصْلٌ صَلَّى بِالِاجْتِهَادِ إلَى جِهَةٍ ثُمَّ أَرَادَ صَلَاةً أُخْرَى]
(620) فَصْلٌ: إذَا صَلَّى بِالِاجْتِهَادِ إلَى جِهَةٍ، ثُمَّ أَرَادَ صَلَاةً أُخْرَى، لَزِمَهُ إعَادَةُ الِاجْتِهَادِ، كَالْحَاكِمِ إذَا اجْتَهَدَ فِي حَادِثَةٍ، ثُمَّ حَدَثَ مِثْلُهَا، لَزِمَهُ إعَادَةُ الِاجْتِهَادِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. فَإِنْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ، عَمِلَ بِالثَّانِي، وَلَمْ يُعِدْ مَا صَلَّى بِالْأَوَّلِ، كَمَا لَوْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُ الْحَاكِمِ عَمِلَ بِالثَّانِي فِي الْحَادِثَةِ الثَّانِيَةِ، وَلَمْ يَنْقُضْ حُكْمَهُ الْأَوَّلَ. وَهَذَا لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. فَإِنْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ فِي الصَّلَاةِ، اسْتَدَارَ إلَى الْجِهَةِ الثَّانِيَةِ، وَبَنَى عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْآمِدِيُّ: لَا يَنْتَقِلُ، وَيَمْضِي عَلَى اجْتِهَادِهِ الْأَوَّلِ؛ لِئَلَّا يَنْقُضَ الِاجْتِهَادَ بِالِاجْتِهَادِ.
وَلَنَا أَنَّهُ مُجْتَهِدٌ أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى جِهَةٍ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ الصَّلَاةُ إلَى غَيْرِهَا، كَمَا لَوْ أَرَادَ صَلَاةً أُخْرَى، وَلِأَنَّهُ أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى غَيْرِ هَذِهِ الْجِهَةِ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ الصَّلَاةُ إلَيْهَا، كَسَائِرِ مَحَالِّ الْوِفَاقِ، وَلَيْسَ هَذَا نَقْضًا لِلِاجْتِهَادِ، وَإِنَّمَا يَعْمَلُ بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، كَمَا فِي الصَّلَاةِ الْأُخْرَى، وَإِنَّمَا يَكُونُ نَقْضًا لِلِاجْتِهَادِ أَنْ لَوْ أَلْزَمْنَاهُ إعَادَةَ مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ، وَلَمْ نَعْتَدَّ لَهُ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَبْقَ اجْتِهَادُهُ وَظَنُّهُ إلَى الْجِهَةِ الْأُولَى، وَلَمْ يُؤَدِّهِ اجْتِهَادُهُ إلَى الْجِهَةِ الْأُخْرَى، فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ جِهَةٌ أُخْرَى يَتَوَجَّهُ إلَيْهَا. وَإِنْ بَانَ لَهُ يَقِينُ الْخَطَأِ فِي الصَّلَاةِ، بِمُشَاهَدَةٍ أَوْ خَبَرٍ عَنْ يَقِينٍ، اسْتَدَارَ إلَى جِهَةِ الصَّوَابِ، وَبَنَى كَأَهْلِ قُبَاءَ لَمَّا أُخْبِرُوا بِتَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ اسْتَدَارُوا إلَيْهَا وَبَنَوْا.
وَإِنْ شَكَّ فِي اجْتِهَادِهِ لَمْ يَزُلْ عَنْ جِهَتِهِ؛ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ ظَاهِرٌ، فَلَا يَزُولُ عَنْهُ بِالشَّكِّ. وَإِنْ بَانَ لَهُ الْخَطَأُ، وَلَمْ يَعْرِفْ جِهَةَ الْقِبْلَةِ، كَرَجُلٍ كَانَ يُصَلِّي إلَى جِهَةٍ، فَرَأَى بَعْضَ مَنَازِلِ الْقَمَرِ فِي قِبْلَتِهِ، وَلَمْ يَدْرِ أَهُوَ فِي الْمَشْرِقِ أَوْ الْمَغْرِبِ، وَاحْتَاجَ إلَى الِاجْتِهَادِ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِدَامَتُهَا إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، وَلَيْسَتْ لَهُ جِهَةٌ يَتَوَجَّهُ إلَيْهَا، فَبَطَلَتْ، لِتَعَذُّرِ إتْمَامِهَا.

[مَسْأَلَة إذَا اخْتَلَفَ اجْتِهَادُ رَجُلَيْنِ فِي الْقِبْلَة]
(621) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِذَا اخْتَلَفَ اجْتِهَادُ رَجُلَيْنِ، لَمْ يَتْبَعْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْمُجْتَهِدَيْنِ إذَا اخْتَلَفَا، فَفَرْضُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الصَّلَاةُ إلَى الْجِهَةِ الَّتِي يُؤَدِّيهِ اجْتِهَادُهُ إلَيْهَا

اسم الکتاب : المغني المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 1  صفحة : 322
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست