responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المغني المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 1  صفحة : 318
ابْنُ عَقِيلٍ؛ إنْ خَرَجَ بَعْضُهُ عَنْ مُسَامَتَةِ الْكَعْبَةِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: النَّاسُ فِي اسْتِقْبَالِهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ: مِنْهُمْ مَنْ يَلْزَمُهُ الْيَقِينُ، وَهُوَ مَنْ كَانَ مُعَايِنًا لِلْكَعْبَةِ، أَوْ كَانَ بِمَكَّةَ مِنْ أَهْلِهَا، أَوْ نَاشِئًا بِهَا مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ مُحْدَثٍ كَالْحِيطَانِ، فَفَرْضُهُ التَّوَجُّهُ إلَى عَيْنِ الْكَعْبَةِ يَقِينًا. وَهَكَذَا إنْ كَانَ بِمَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ مُتَيَقِّنٌ صِحَّةَ قِبْلَتِهِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُقِرُّ عَلَى الْخَطَأِ، وَقَدْ رَوَى أُسَامَةُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، قِبَلَ الْقِبْلَةِ، وَقَالَ: هَذِهِ الْقِبْلَةُ» .
الثَّانِي: مَنْ فَرْضُهُ الْخَبَرُ، وَهُوَ مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ غَائِبًا عَنْ الْكَعْبَةِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا، وَوَجَدَ مُخْبِرًا يُخْبِرُهُ عَنْ يَقِينٍ أَوْ مُشَاهَدَةٍ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ، وَعَلَى الْحَائِلِ مَنْ يُخْبِرُهُ، أَوْ كَانَ غَرِيبًا نَزَلَ بِمَكَّةَ، فَأَخْبَرَهُ أَهْلُ الدَّارِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ فِي مِصْرٍ أَوْ قَرْيَةٍ، فَفَرْضُهُ التَّوَجُّهُ إلَى مَحَارِيبِهِمْ وَقِبْلَتِهِمْ الْمَنْصُوبَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْقِبَلَ يَنْصِبُهَا أَهْلُ الْخِبْرَةِ وَالْمَعْرِفَةِ، فَجَرَى ذَلِكَ مَجْرَى الْخَبَرِ، فَأَغْنَى عَنْ الِاجْتِهَادِ، وَإِنْ أَخْبَرَهُ مُخْبِرٌ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْقِبْلَةِ؛ أَمَّا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، صَارَ إلَى خَبَرِهِ، وَلَيْسَ لَهُ الِاجْتِهَادُ، كَمَا يَقْبَلُ الْحَاكِمُ النَّصَّ مِنْ الثِّقَةِ، وَلَا يَجْتَهِدُ. الثَّالِثُ: مَنْ فَرْضُهُ الِاجْتِهَادُ، وَهُوَ مَنْ عَدِمَ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ، وَهُوَ عَالِمٌ بِالْأَدِلَّةِ.
الرَّابِعُ: مَنْ فَرْضُهُ التَّقْلِيدُ، وَهُوَ الْأَعْمَى وَمَنْ لَا اجْتِهَادَ لَهُ، وَعَدِمَ الْحَالَتَيْنِ، فَفَرْضُهُ تَقْلِيدُ الْمُجْتَهِدِينَ. وَالْوَاجِبُ عَلَى هَذَيْنِ وَسَائِرِ مَنْ بَعُدَ مِنْ مَكَّةَ طَلَبُ جِهَةِ الْكَعْبَةِ، دُونَ إصَابَةِ الْعَيْنِ. قَالَ أَحْمَدُ: مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ، فَإِنْ انْحَرَفَ عَنْ الْقِبْلَةِ قَلِيلًا لَمْ يُعِدْ، وَلَكِنْ يَتَحَرَّى الْوَسَطَ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ كَقَوْلِنَا، وَالْآخَرِ: الْفَرْضُ إصَابَةُ الْعَيْنِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] وَلِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّوَجُّهُ إلَى الْكَعْبَةِ، فَلَزِمَهُ التَّوَجُّهُ إلَى عَيْنِهَا، كَالْمُعَايِنِ. وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّ جَمِيعَ مَا بَيْنَهُمَا قِبْلَةٌ. وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْفَرْضُ إصَابَةَ الْعَيْنِ، لَمَا صَحَّتْ صَلَاةُ أَهْلِ الصَّفِّ الطَّوِيلِ عَلَى خَطٍّ مُسْتَوٍ، وَلَا صَلَاةُ اثْنَيْنِ مُتَبَاعِدَيْنِ يَسْتَقْبِلَانِ قِبْلَةً وَاحِدَةً، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَجَّهَ إلَى الْكَعْبَةِ مَعَ طُولِ الصَّفِّ إلَّا بِقَدْرِهَا. فَإِنْ قِيلَ: مَعَ الْبَعِيدِ يَتَّسِعُ الْمُحَاذِي. قُلْنَا: إنَّمَا يَتَّسِعُ مَعَ تَقَوُّسِ الصَّفِّ، أَمَّا مَعَ اسْتِوَائِهِ فَلَا. وَشَطْرَ الْبَيْتِ: نَحْوَهُ وَقِبَلَهُ.

[فَصْلٌ مَحَارِيبُ الْكُفَّارِ]
فَصْلٌ: فَأَمَّا مَحَارِيبُ الْكُفَّارِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ لَا يُسْتَدَلُّ بِهِ، فَمَحَارِيبُهُمْ أَوْلَى، إلَّا أَنْ نَعْلَمَ قِبْلَتَهُمْ كَالنَّصَارَى، نَعْلَمُ أَنَّ قِبْلَتَهُمْ الْمَشْرِقُ، فَإِذَا رَأَى مَحَارِيبَهُمْ فِي كَنَائِسِهِمْ عَلِمَ أَنَّهَا مُسْتَقْبِلَةٌ الْمَشْرِقَ.

اسم الکتاب : المغني المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 1  صفحة : 318
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست