responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المغني المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 1  صفحة : 22
الثَّانِي، أَنَّ حَدِيثَهُمْ لَا بُدَّ مِنْ تَخْصِيصِهِ، فَإِنَّ مَا زَادَ عَلَى الْحَدِّ الَّذِي ذَكَرُوهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْوُضُوءِ بِهِ اتِّفَاقًا، وَإِذَا وَجَبَ تَخْصِيصُهُ كَانَ تَخْصِيصُهُ بُقُولِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى مِنْ تَخْصِيصِهِ بِالرَّأْيِ وَالتَّشَهِّي مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ يُرْجَعُ إلَيْهِ، وَلَا دَلِيلٍ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْحَدِّ تَقْدِيرٌ طَرِيقُهُ التَّوْقِيفُ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ؛ وَلِأَنَّ حَدِيثَهُمْ خَاصٌّ فِي الْبَوْلِ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَنَقْصُرُ الْحُكْمَ عَلَى مَا تَنَاوَلَهُ النَّصُّ، وَهُوَ الْبَوْلُ؛ لِأَنَّ لَهُ مِنْ التَّأْكِيدِ وَالِانْتِشَارِ فِي الْمَاءِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِ، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
فَإِنْ قِيلَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: «لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ» . أَيْ لَمْ يَدْفَعْ الْخَبَثَ عَنْ نَفْسِهِ، أَيْ أَنَّهُ يَنْجُسُ بِالْوَاقِعِ فِيهِ. قُلْنَا هَذَا فَاسِدٌ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا، أَنَّ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ «لَمْ يَنْجُسْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ، وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ.
الثَّانِي أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنَّ مَا بَلَغَ الْقُلَّتَيْنِ فِي الْقِلَّةِ يَنْجُسُ لَكَانَ مَا فَوْقَهُمَا لَا يَنْجُسُ، لِتَحَقُّقِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّهُ جَعَلَ الْقُلَّتَيْنِ فَصْلًا بَيْنَ مَا يَتَنَجَّسُ وَمَا لَمْ يَتَنَجَّسْ؛ فَلَوْ سَوَّيْنَا بَيْنَهُمَا لَمْ يَبْقَ فَصْلٌ.
الثَّالِثُ أَنَّ مُقْتَضَاهُ فِي اللُّغَةِ أَنَّهُ يَدْفَعُ الْخَبَثَ عَنْ نَفْسِهِ، مِنْ قَوْلِهِمْ: فُلَانٌ لَا يَحْتَمِلُ الضَّيْمَ. أَيْ يَدْفَعُهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(21) فَصْلٌ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا: هَلْ الْقُلَّتَانِ خَمْسُمِائَةِ رِطْلٍ تَحْدِيدًا أَوْ تَقْرِيبًا؟ قَالَ: أَبُو الْحَسَنِ الْآمِدِيُّ: الصَّحِيحُ أَنَّهَا تَحْدِيدٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْقَاضِي، وَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ ذَلِكَ كَانَ احْتِيَاطًا، وَمَا اُعْتُبِرَ احْتِيَاطًا كَانَ وَاجِبًا، كَغَسْلِ جُزْءٍ مِنْ الرَّأْسِ مَعَ الْوَجْهِ، وَإِمْسَاكِ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ مَعَ النَّهَارِ فِي الصَّوْمِ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْرٌ يَدْفَعُ النَّجَاسَةَ عَنْ نَفْسِهِ، فَاعْتُبِرَ تَحْقِيقُهُ كَالْعَدَدِ فِي الْغَسَلَاتِ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ تَقْرِيبٌ؛ لِأَنَّ الَّذِينَ نَقَلُوا تَقْدِيرَ الْقِلَالِ لَمْ يَضْبِطُوهُمَا بِحَدٍّ، إنَّمَا قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: الْقُلَّةُ تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ أَوْ قِرْبَتَيْنِ وَشَيْئًا. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُقَيْلٍ: أَظُنُّهَا تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ.
وَهَذَا لَا تَحْدِيدَ فِيهِ؛ فَإِنَّ قَوْلَهُمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا قَرَّبَا الْأَمْرَ، وَالشَّيْءُ الزَّائِدُ عَنْ الْقِرْبَتَيْنِ مَشْكُوكٌ فِيهِ، مَعَ أَنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْمَجْهُولِ، وَالظَّاهِرُ قِلَّتُهُ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ يَدُلُّ عَلَى تَقَارُبِ مَا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَكُلَّمَا قَلَّ الشَّيْءُ كَانَ أَقْرَبَ إلَى الْقِرْبَتَيْنِ، وَكَلَامُ أَحْمَدَ يَدُلُّ عَلَى هَذَا؛ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ الْقُلَّةَ قِرْبَتَانِ، وَرُوِيَ قِرْبَتَانِ وَنِصْفٌ، وَرُوِيَ: وَثُلُثٌ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحُدَّ فِي ذَلِكَ حَدًّا.
ثُمَّ لَيْسَ لِلْقِرْبَةِ حَدٌّ مَعْلُومٌ؛ فَإِنَّ الْقِرَبَ تَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَلَا يَكَادُ قِرْبَتَانِ يَتَّفِقَانِ فِي حَدٍّ وَاحِدٍ، وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى مِنْهُ شَيْئًا مُقَدَّرًا بِالْقِرَبِ، أَوْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ مَحْدُودٍ بِالْقِرَبِ؛ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ عَلِمَ أَنَّ النَّاسَ لَا يَكِيلُونَ الْمَاءَ وَلَا يَزِنُونَهُ، فَلَمْ يَكُنْ لِيُعَرِّفَهُمْ الْحَدَّ بِمَا لَا يُعَرَّفُ بِهِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ مَاءً فِيهِ نَجَاسَةٌ فَظَنَّهُ مُقَارِبًا لِلْقُلَّتَيْنِ تَوَضَّأَ مِنْهُ، وَإِنْ ظَنَّهُ نَاقِصًا عَنْهُمَا مِنْ غَيْرِ مُقَارَبَةٍ لَهُمَا تَرَكَهُ.

اسم الکتاب : المغني المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 1  صفحة : 22
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست