responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المغني المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 1  صفحة : 12
وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: مَا كَانَ مَذْرُورًا مُنِعَ إذَا غَيَّرَ الْمَاءَ، وَمَا عَدَاهُ لَا يُمْنَعُ إلَّا أَنْ يَنْحَلَّ فِي الْمَاءِ، وَإِنْ غَيَّرَهُ مِنْ غَيْرِ انْحِلَالٍ لَمْ يَسْلُبْ طَهُورِيَّتَهُ؛ لِأَنَّهُ تَغَيُّرُ مُجَاوَرَةٍ، أَشْبَهَ تَغْيِيرَ الْكَافُورِ.
وَوَافَقَهُمْ أَصْحَابُنَا فِي الْخَشَبِ وَالْعِيدَانِ، وَخَالَفُوهُمْ فِي سَائِرِ مَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ تَغَيُّرَ الْمَاءِ بِهِ إنَّمَا كَانَ لِانْفِصَالِ أَجْزَاءٍ مِنْهُ إلَى الْمَاءِ وَانْحِلَالِهَا فِيهِ، فَوَجَبَ أَنْ يُمْنَعَ كَمَا لَوْ طُبِخَ فِيهِ؛ وَلِأَنَّهُ مَاءٌ تَغَيَّرَ بِمُخَالَطَةِ طَاهِرٍ يُمْكِنُ صَوْنُهُ عَنْهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أُغْلِيَ فِيهِ.
الضَّرْبُ الثَّالِثُ مِنْ الْمُضَافِ مَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ:
أَحَدُهَا: مَا أُضِيفَ إلَى مَحَلِّهِ وَمَقَرِّهِ، كَمَاءِ النَّهْرِ وَالْبِئْرِ وَأَشْبَاهِهِمَا؛ فَهَذَا لَا يَنْفَكُّ مِنْهُ مَاءٌ وَهِيَ إضَافَةٌ إلَى غَيْرِ مُخَالِطٍ. وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ.
الثَّانِي: مَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، كَالطُّحْلُبِ وَالْخَزِّ وَسَائِرِ مَا يَنْبُتُ فِي الْمَاءِ، وَكَذَلِكَ وَرَقُ الشَّجَرِ الَّذِي يَسْقُطُ فِي الْمَاءِ، أَوْ تَحْمِلُهُ الرِّيحُ فَتُلْقِيهِ فِيهِ، وَمَا تَجْذِبُهُ السُّيُولُ مِنْ الْعِيدَانِ وَالتِّبْنِ وَنَحْوِهِ، فَتُلْقِيهِ فِي الْمَاءِ، وَمَا هُوَ فِي قَرَارِ الْمَاءِ كَالْكِبْرِيتِ وَالْقَارِ وَغَيْرِهِمَا، إذَا جَرَى عَلَيْهِ الْمَاءُ فَتَغَيَّرَ بِهِ، أَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ الَّتِي يَقِفُ فِيهَا الْمَاءُ.
فَهَذَا كُلُّهُ يُعْفَى عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَشُقُّ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، فَإِنْ أُخِذَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَأُلْقِيَ فِي الْمَاءِ وَغَيْرِهِ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ مَا أَمْكَنَ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، مِنْ الزَّعْفَرَانِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ مِنْهُ مُمْكِنٌ.
الثَّالِثُ: مَا يُوَافِقُ الْمَاءَ فِي صِفَتَيْهِ الطَّهَارَةِ، وَالطَّهُورِيَّةِ، كَالتُّرَابِ إذَا غَيَّرَ الْمَاءَ لَا يَمْنَعُ الطَّهُورِيَّةَ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ كَالْمَاءِ، فَإِنْ ثَخُنَ بِحَيْثُ لَا يَجْرِي عَلَى الْأَعْضَاءِ لَمْ تَجُزْ الطَّهَارَةُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ طِينٌ وَلَيْسَ بِمَاءٍ، وَلَا فَرْقَ فِي التُّرَابِ بَيْنَ وُقُوعِهِ فِي الْمَاءِ عَنْ قَصْدٍ أَوْ غَيْرِ قَصْدٍ.
وَكَذَلِكَ الْمِلْحُ الَّذِي أَصْلُهُ الْمَاءُ كَالْبَحْرِيِّ، وَالْمِلْحُ الَّذِي يَنْعَقِدُ مِنْ الْمَاءِ الَّذِي يُرْسَلُ عَلَى السَّبْخَةِ فَيَصِيرُ مِلْحًا، فَلَا يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ؛ لِأَنَّ أَصْلَهُ الْمَاءُ، فَهُوَ كَالْجَلِيدِ وَالثَّلْجِ، وَإِنْ كَانَ مَعْدِنًا لَيْسَ أَصْلُهُ الْمَاءَ فَهُوَ كَالزَّعْفَرَانِ وَغَيْرِهِ.
الرَّابِعُ: مَا يَتَغَيَّرُ بِهِ الْمَاءُ بِمُجَاوَرَتِهِ مِنْ غَيْرِ مُخَالَطَةٍ، كَالدُّهْنِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ، وَالطَّاهِرَاتُ الصُّلْبَةِ كَالْعُودِ وَالْكَافُورِ وَالْعَنْبَرِ، إذَا لَمْ يَهْلِكْ فِي الْمَاءِ، وَلَمْ يَمِعْ فِيهِ، لَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ إطْلَاقِهِ؛ لِأَنَّهُ تَغْيِيرُ مُجَاوَرَةٍ، أَشْبَهَ مَا لَوْ تَرَوَّحَ الْمَاءُ بِرِيحِ شَيْءٍ عَلَى جَانِبِهِ.
وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذِهِ الْأَنْوَاعِ خِلَافًا. وَفِي مَعْنَى الْمُتَغَيِّرِ بِالدُّهْنِ مَا تَغَيَّرَ بِالْقَطِرَانِ وَالزِّفْتِ وَالشَّمْعِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ دُهْنِيَّةً يَتَغَيَّرُ بِهَا الْمَاءُ تَغَيُّرَ مُجَاوَرَةٍ، فَلَا يُمْنَعُ كَالدُّهْنِ.

[فَصْلُ الْمَاءِ الْآجِنِ]
(3) فَصْلٌ
وَالْمَاءُ الْآجِنُ، وَهُوَ الَّذِي يَتَغَيَّرُ بِطُولِ مُكْثِهِ فِي الْمَكَانِ، مِنْ غَيْرِ مُخَالَطَةِ شَيْءٍ يُغَيِّرُهُ، بَاقٍ عَلَى إطْلَاقِهِ
فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ قَوْلَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ بِالْمَاءِ الْآجِنِ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ حَلَّتْ فِيهِ جَائِزٌ، غَيْرَ ابْنِ سِيرِينَ فَإِنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ.
وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ أُولَى، فَإِنَّهُ يُرْوَى «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ مِنْ بِئْرٍ كَأَنَّ مَاءَهُ نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ» وَلِأَنَّهُ تَغَيَّرَ مِنْ غَيْرِ مُخَالَطَةٍ.

اسم الکتاب : المغني المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 1  صفحة : 12
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست