اسم الکتاب : نهاية المطلب في دراية المذهب المؤلف : الجويني، أبو المعالي الجزء : 0 صفحة : 110
في مصر لا يمكن أن يسع ذلك في العرف والعادة، ومن هنا عُدَّ هذا من الكرامات.
طابت الإقامة للشافعي بمصر، ولكن لم تطل، فقد وافاه الأجل المحتوم ليلة الجمعة بعد المغرب، ودفن بعد العصر من يوم الجمعة آخر يوم من شهر رجب سنة 204 هـ.
...
ونعود، فنذكر بأننا لا نقدم ترجمة للشافعي وإنما ننبه إلى معنىً لاحظناه أثناء قراءاتنا لتراجم الإمام الشافعي، وهو ما هيأته الأقدار للشافعي، وهيأت الأقدار الشافعي به، ونلخص ذلك فنقول:
لقد هيأت الأقدار للشافعي أمّاً تعرف قيمة شرف النسب ومنزلته، فتنتقل بابنها إلى مكة، وهناك يعرف قيمة العربية وفصاحة اللسان، فيطلب اللغة في البادية، وهيأت له من يوجهه إلى الفقه، فيجعل اللغة وعلوم العربية والشعر والأدب في سبيل الفقه، وهيأت له شيوخاً في مكة ورثوا فقه ابن عباس، وهيأت له التلمذة على مالك خاصة وفقهاء المدينة ومحدِّثيها بعامة، وقدر الله أن ينشأ فقيراً، فلو كان ذا مالٍ وفير، ربما كان اشتغاله بتثميره، ونشأته في الوفرة والدعة غيرت مجرى حياته.
وأوضح ما تراه من ذلك هو رحلته -من أجل العمل والارتزاق منه- إلى اليمن، وإتهامه بسبب هذا العمل وحمله قسراً إلى بغداد ليضرب عنقه، وتَهْيئة محمد بن الحسن ليكون في مجلس الخليفة ساعة مثوله بين يديه، فيجتمع له أمران في لحظة واحدة، نجاته من السيف بمساعدة من محمد بن الحسن، ثم لقاؤه واتصاله بمحمد بن الحسن وعلم محمد بن الحسن!!! فيحمل علمه وعلم العراقيين عامة.
ثم يعود إلى مكة، ويتردد بينها وبين العراق، ولكن تهيىء له الأقدار من الأحداث ما يزهده في العراق، ومن يدعوه إلى مصر، فيلقى فيها من العلم والعلماء، والأخبار والأحداث [1]، ما يجعله يُخرج للدنيا هذا العلم الذي ملأ سمع الزمان، وانتقل إلى كل مكان.
هذا ما هيأته الأقدار للشافعي. [1] انظر الشكل رقم (1) لترى كيف حاز الشافعي فقه الأمصار كلها في الصفحة التالية.
اسم الکتاب : نهاية المطلب في دراية المذهب المؤلف : الجويني، أبو المعالي الجزء : 0 صفحة : 110