اسم الکتاب : فقه العبادات على المذهب الشافعي المؤلف : درية العيطة الجزء : 1 صفحة : 52
- وهو الطاهر بنفسه، غير المطهر لغيره، أي الذي لا يرفع حدثا ولا يزيل نجساً. وهو ضربان:
-1- الماء القليل (الماء القليل هو ما نقص عن قلتين، والقلتان سعة عشرة تنكات وثلث تنكة أو ربما نصفها، كل منها سعة عشرين ليتراً تقريباً، أو هما على وجه الدقة حجم مكعب طول حرفه 58 سم أي 195112 سم 3 أو 195، 112 دسم 3 "ليتر") المستعمل: وهو المستعمل في طهارة حدث - والمراد بها الوضوء والغسل - أو المستعمل في طهارة نجس.
(1) أما المستعمل في طهارة الحدث، فإن استعمل في فرض الطهارة فهو طاهر غير مطهر حتى لو كان المتطهر به صبياً. أما أنه طاهر فلحديث جابر رضي الله عنه قال: "مرضت مرضاً فأتاني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني، وأبو بكر، وهما ماشيان، فوجداني أغمي علي، فتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم ثم صب وضوءه علي فأفقت" (البخاري ج 5 / كتاب المرضى باب 5/ 5327) ولأنه ماء طاهر لاقى محلا طاهرا، وأما أنه غير مطهر فلأنه أزال مانعاً أما إن استعمل في نفل الطهارة كتجديد الوضوء، والغسلة الثانية والثالثة، وغسل الجمعة، وسائر الأغسال المسنونة، وماء المضمضة والاستنشاق، فلا يعتبر مستعملا وتصح الطهارة به، لأنه لم يرفع به حدث ولا نجس.
ومن الماء المستعمل ما غمس فيه يده أثناء فرض الوضوء أو الغسل بعد نيتهما، قبل نية الاغتراف، (ومحل نية الاغتراف في الوضوء عند إرادة غسل فرض اليدين، وفي الغسل عند إرادة غمس اليدين في الماء أول مرة بعد نية فرض الغسل، لأن غسل الجسم كله فرض بلا ترتيب بخلاف الوضوء، أما إذا اغترف الماء ثم صبه على كفيه بنية رفع الحدث الأكبر عنهما فلا حاجة إلى نية الاغتراف بعد نية رفع الحدث الأكبر عن الجسم) ومنه كذلك المنفصل في فرض الوضوء ومنه كذلك المنفصل في فرض الوضوء أو الغسل عن الجسم. وثمة فرق بين الوضوء والغسل، ففي الوضوء إذا جرى الماء من عضو إلى آخر صار بانفصاله عن الأول مستعملاً فلا يرفع الحدث عن الثاني سواء في ذلك اليدان وغيرهما، أما في الغسل فلا يصير الماء مستعملاً حتى ينفصل عن البدن كله لأنه كله عضو واحد
(2) وأما الماء القليل المستعمل في إزالة النجس، ويسمى غسالة النجاسة فقد وقع الإجماع على أن حكمه حكم المحل بعد الغسل، إن كان نجساً بعد فنجس، وإلا فطاهر بشروط:
أولها - أن ينفصل بعد غسل الشيء المتنجس ولم يتغير أحد أوصافه بالخبث
وثانيهما - ألا تزيد زنة الماء المنفصل عن المحل المتنجس بعد إسقاط ما يتشربه المغسول من الماء، وإسقاط ما يتحلل من الأوساخ في الماء عادة
وثالثهما - أن يكون الماء واردا على الشيء المتنجس، فإن كان موروداً، بأن غمس الثوب المتنجس فيه فينجس، وهذا الفرق بين الوارد والمورود قاعدة أخذها الشافعية من قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا، فإنه لا يدري أين باتت يده) (مسلم ج 1 / كتاب الطهارة باب 26 / 87، في رواية عن أبي هريرة رضي الله عنه)
وبناء على ما تقدم فإن غسالة ولوغ الكلب، إذا انفصلت متغيرة بالنجاسة فهي نجسة قطعاً وإن انفصلت غير متغيرة كان غير الأخيرة - أي السابعة - فنجسة، وإن كانت الأخيرة فطاهرة تبعاً للمحل الذي انفصلت عنه
وإذا جمع الماء المستعمل حتى صار قلتين زال حكم الاستعمال.
-2- الماء المتغير بما خالطه من الطاهرات غير المجاورة له: إذا خالط الماء إحدى الطاهرات فتغير بها طعمه أو لونه أو ريحه تغيراً فاحشاً، حتى لا يعرف إلا بهذا المخالط، كماء الصابون وماء الورد وماء العصير، سلبت طهوريته، وأصبح طاهراً غير مطهر,
ولو وقع في الماء الطهور ما يمكن حفظ الماء منه، وكان موافقاً له في صفاته من طعم ولون وريح، كالماء المستعمل، وماء الورد الذي فقد صفاته مع الزمن، فالمقياس في معرفة سلب الطهورية تقديري في هذه الحال، فنقدر في الذهن حالة ما لو وقع في الماء - بدلا من المشابه له في صفاته - مخالف له بأوسط الصفات، (المخالف للماء بأوسط الصفات: في الطعم عصير الرمان، وفي اللون عصير العنب، وفي الرائحة اللاذن - وهو نوع من العلك - أما المخالف للماء بأعلى الصفات: ففي الطعم الخل، وفي اللون الحبر، وفي الرائحة المسك) فإذا رأينا أنه يغير إحدى صفاته تغيراً فاحشاً حكمنا على الماء بأنه سلبت طهوريته وإلا فلا. فالتغير التقديري إذن كالتغير الحسي.
أما المتغير الذي لم يعلم سبب تغيره فهو باق على طهوريته، لأنه يجوز أن يكون تغير بطول المكث.
وإذا كوثر الماء المتغير - كالمتغير بزعفران مثلاً أو نحوه - فزال تغيره فهو طهور، وهناك طاهرات لا تسلب الماء طهوريته إذا اختلطت به، قليلا كان الماء أو كثيراً، ولو غيرته تغيراً فاحشاً بلونه أو ريحه أو طعمه، لأنه لا يمكن حفظ الماء منها، أو لأنها تنعقد منه، أو توفقه في الطهورية. وهي:
(1) التراب وإن طرح، لأنه يوفق الماء في التطهير، لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه حذيفة رضي الله عنه: (وجعلت لنا الأرض كلها مسجداً، وجعلت تربتها لنا طهوراً) (مسلم ج 1 / كتاب المساجد ومواضع الصلاة / 4)
(2) الطحلب
(3) ما في قعره من أملاح ومعادن
(4) المجاور، كعود أو دهن أو زيد، ولو غير ريحه أو طعمه أو لونه، لأن الدهن أو الزبد ولو وجد في الماء إلا أنه لا يختلط به بل يبقى طافياً، لذا سمي مجاوراً
ومثل العود: شجرة في الماء خشبها له طعم، فيبقى الماء طاهراً مطهراً ولو تغير ريحه أو لونه أو طعمه
أما إذا تغير الماء بمجاور يتحلل كالعرقسوس أو الشاي، بحيث يسلب اسم الماء بقيد لازم، فإنه يفقد طهوريته، أي قدرته على التطهير
(5) الملح المائي مهما كثر، ولو طرح عمداً، لأنه ينعقد من الماء. أما الملح الصخري فيسلب الماء طهوريته.
(6) ورق الشجر
يضاف إلى ذلك تغير الماء بالمكث، فهذا لا يسلبه طهوريته
واستدل الفقهاء لكل ما تقدم بقوله صلى الله عليه وسلم في حديثه المتقدم في البحر: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته)
قال الإمام النووي رحمه الله: "استدلوا منه على أن الماء المتغير بما يتعذر صونه عنه طهور. وقال: هذا الحكم مجمع عليه (المجموع ج 1 / ص 129، ج 1 / ص 150)
اسم الکتاب : فقه العبادات على المذهب الشافعي المؤلف : درية العيطة الجزء : 1 صفحة : 52