اسم الکتاب : فقه العبادات على المذهب الشافعي المؤلف : درية العيطة الجزء : 1 صفحة : 282
- وهو متعين في المفروضة مكتوبة كانت أو منذورة، وسواء كانت المكتوبة أداء أو قضاء أو معادة أو جنازة، ويشترط فيه الانتصاب، والمعتبر في هذا الانتصاب، نصب فقار الظهر، فليس للقادر أن يقف مائلاً إلى أحد جانبيه، زائلاً عن سنن القيام، ولا أن يقف منحنياً في حد الراكعين حتى لو لم يبلغ انحناؤه حد أقل الركوع بل كان إليه أقرب فصلاته باطلة. أما الرقبة فحنيها قليلاً بمقدار ما ينظر إلى مكان سجوده مستحب، ولعله يكره أن يزيد على ذلك أو هو خلاف الأولى والواجب من القيام قدر قراءة الفاتحة. والدليل على ركنية القيام قوله تعالى: {وقوموا لله قانتين} (البقرة: 238) وما روى عمران بن الحصين رضي الله عنه قال: "كانت بي بواسير، فسأتل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فقال: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب) " (البخاري ج 1/ كتاب تقصير الصلاة باب 19/1066) الحديث يدل على أن القيام واجب حين القدرة عليه، فإن عجز عن القيام لمرض مثلاً أو خوف الغرق، أو السقوط من الدوار في السفينة أو غيرها، صلى قاعداً ولا إعادة عليه، وكذا لو اضطر إلى القعود لحالة مرضية كالمصاب بسلس البول بحيث لو قام سال بوله، وإذا قعد لم يسل صلى من قعود ولا إعادة عليه، وكذا في حال الخوف على المسلمين، فلو جلس الغزاة في مكمن وصلوا قعوداً خوفاً من قصد العدو لهم لم تجب عليهم الإعادة. ويكون القعود كيف شاء لأن حديث عمران رضي الله عنه المتقدم أطلق القعود عن كل صفة ولكن يكره أن يقعد ماداً رجليه إلا لمرض، فإن عجز عن القعود اضطجع على جنبه الأيمن ووجهه إلى القبلة، وإلا فعلى شقه الأيسر، فإن عجز عن الاضطجاع صلى مستلقياً رافعاً رأسه بوسادة أو نحوها ليستقبل القبلة بوجهه وبمقدم بدنه، ويومئ برأسه لركوعه وسجوده، ويجعل سجوده أخفض من ركوعه وجوباً. فإن عجز عن ذلك أتى بما عليه ولو بإيماء الحاجبين، فإن عجز أجرى أفعال الصلاة والقرآن على قلبه وجوباً في الواجب (من أفعال الصلاة والقرآن) وندباً في المندوب.
ولا تسقط الصلاة عنه ما دام يعقل، لأنه مخاطب بالصلاة لوجود العقل والإدراك فيؤدي ما في وسعه أداؤه لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه أبو هريرة رضي الله عنه: (وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) (البخاري ج 6 / كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب 2/6858)
ولا يشترط الاستقلال في القيام، فلو قام مستنداً إلى جدار أو إنسان أو اعتمد على عصا بلا حاجة بحيث لو رفع السِنادُ سقط صحت صلاته مع الكراهة لأنه يسمى قائماً
ولو توقف القيام على معين ثم إذا وقف لا يتأذى بالقيام فإنه يجب عليه الاستعانة بالمعين ولو بأجرة فاضلة عن مؤنته ومؤنة من تلزمه نفقته يومه وليلته، هذا إن احتاج إلى المعين في ابتداء كل ركعة فقط، أما لو احتاجه في الدوام فلا يجب ويصلي من قعود، بخلاف العكازة فإنها تجب وإن احتاجها في الدوام أيضاً، وذلك للمشقة في المعين وعدم المشقة في العكازة ولو تمكن المريض من القيام في جميع الصلاة منفرداً بلا مشقة، ولم يمكنه ذلك مع الجماعة إلا بالقعود في بعضها ففي هذه الحال يفضل الانفراد، لكن تصح مع الجماعة وإن قعد في بعضها
فأما العاجز كمن تقوس ظهره لِزَمَانَةٍ (الزمانة: العاهة) أو كبر حتى صار في حد الراكعين فيلزمه القيام، فإذا أراد الركوع زاد في الانحناء ما قدر عليه.
ولو عجز عن الركوع والسجود دون القيام لعلة بظهره مثلاً لزمه القيام، ويأتي بالركوع والسجود بحسب الطاقة، فيحني صلبه قدر الإمكان، فإن لم يطق حنى رقبته ورأسه فإذا احتاج فيه إلى شيء يعتمد عليه أو ليميل إلى جنبه لزمه ذلك. فإن لم يطق الانحناء أصلاً أومأ إليهما، ولو أمكنه القيام والاضطجاع دون القعود يأتي ببدل القعود قائماً.
أما النافلة فيصح فعلها قاعداً أو مضطجعاً مع القدرة على القيام لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته حيث توجهت، فإذا أراد الفريضة نزل فاستقبل القبلة" (البخاري ج 1/ كتاب القبلة باب 4/391) ولأن مبنى النوافل على التيسير، لكن القاعد له نصف أجر القائم، المضطجع له نصف أجر القاعد لما روي عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل وهو قاعد فقال: (من صلى قائماً فهو أفضل، ومن صلى قاعداً فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائماً فله نصف أجر القاعد) " (الترمذي ج 2/ أبواب الصلاة باب 274/371) قال سفيان الثوري: هذا للصحيح ولمن ليس له عذر - يعني في النوافل - فأما من كان له عذر من مرض أو غيره فصلى جالساً فله مثل أجر القائم (الترمذي ج 2/ أبواب الصلاة باب 274)
أما الاستلقاء في الصلاة النافلة مع القدرة على غيره فمبطل لها.
اسم الکتاب : فقه العبادات على المذهب الشافعي المؤلف : درية العيطة الجزء : 1 صفحة : 282