اسم الکتاب : فقه العبادات على المذهب الشافعي المؤلف : درية العيطة الجزء : 1 صفحة : 203
- ولا تمنع الاستحاضة من الصوم والصلاة والوطء وغيرها مما يمنع الحيض والنفاس، لأنها حدث دائم، فيجوز وطؤها في الزمن المحكوم بأنه طهر ولو كان الدم جاراً فعن عكرمة قال" كانت أم حبيبة تستحاض فكان زوجها يغشاها" (أبو داود ج 1/ كتاب الطهارة باب 120/309) بل وتباح لها الصلاة التي هي أعظم، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني امرأة أُستَحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة فقال: (لا إنما ذلك عرق وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي) " (مسلم ج 1 / كتاب الحيض باب 14/62) معنى ذلك أنها تَتَحَيَّضُ (أي تعد نفسها حائضاً) أمداً من الزمن فتفعل ما تفعل الحائض، تحل على نفسها ما تحل وتحرم ما تحرم وتبقى كذلك ما دامت ترى أنه دم حيض، ودم الحيض يتميز عن دم الاستحاضة بلونه وريحه، لما روي عن فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها أنها كانت تستحاض، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم (إذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يعرف فأمسك عن الصلاة، وإذا كان الآخر فتوضئي، فإنما هو عرف) (النسائي ج 1/ ص 185)
فإذا غلب على ظنها أنها طهرت اغتسلت وتوضأت بعد دخول الوقت من كل صلاة، تصلي بالوضوء الواحد فريضة واحدة، وما شاءت من النوافل لكن يلزمها الاحتياط في طهارتي الحدث والنجس، فتغسل فرجها ثم تحشوه بالقطن، إلا إذا أحرقها، أو كانت صائمة، أو لم يندفع الدم بذلك وحده، أو كانت بكراً فتعصب الفرج بخرقة تتلجم (تتلجم: تشد خرقة مكان الدم على هيئة اللجام) بها، فإن لم يكف ذلك جعلت ثوباً تحت اللجام مبالغة في الاحتياط من خروج الدم، ثم تتوضاً أو تتيم بعد دخول الوقت، وعقب العصب مباشرة، ومن غير إمهال، ثم تبادر إلى الصلاة بعد الوضوء من غير إمهال أيضاً تقليلاً للحدث، لحديث حمنة بنت جحش رضي الله عنها قالت: "قلت يا رسول الله إني أُسْتَحَاض حيضة كثيرة شديدة فما تأمرني فيها، قد منعتني الصيام والصلاة؟ قال: (أنعَتُ لك الكُرْسُفَ فإنه يذهب الدم) قالت هو أكثر من ذلك قال: (فتلجمي) قالت هو أكثر من ذلك. قال (فاتخذي ثوباُ) قالت هو أكثر من ذلك إنما أثُجُّ ثجاً ثم قال: إنما هي ركضة من الشيطان) على ما تقدم فإذا استوثقت على الصفة المذكورة، ثم خرج دمها بلا تفريط لم تبطل طهارتها ولا صلاتها.
ولو أخرت الصلاة لمصلحة الصلاة نفسها كستر العورة، وانتظار جماعة وعطر وزينة للصلاة لم يضر ذلك، لأنها لا تعد بذلك مقصرة، أما إن كان التأخير لغير مصلحة الصلاة فلا يجوز، وعليها إعادة الوضوء، ومع كل وضوء يجب تجديد غسل الفرج والحشو أو العصب إن زالت العصابة عن موضعها زوالاً له تأثير، أو ظهر الدم على جوانب العصابة (الأحكام المذكورة جارية لا شك إذا كان دمها يستمر وقت صلاة كاملة، بحيث لا تجد فيه المرأة انقطاعاً يتسع لقدر الوضوء والصلاة، فلو انقطع النزيف بمقدار ما تتمكن فيه من الوضوء والصلاة، لم تعتبر من دائمي الحديث، ويجب عليها عندئذ غسل النجاسة والوضوء وأداء الصلاة بطهارة كاملة)
فإن لم يتميز دم حيضها عن دم استحاضتها ردت إلى عادتها إن ذكرت وقتها وقدرها وإن نسيت كل شيء فهي المتحيرة، وبحث المتحيرة بحث طويل ومعقد يصعب إيجاز أحكامه في مثل هذا الكتاب، كما أن حالتها نادرة الوقوع، لذلك اكتفينا فيما يلي من الصفحات بإيجاز حالات المستحاضات التي يتكرر حدوثها (من أراد تفصيل أحكام المتحيرة فليرجع إلى كتاب المجموع أو روضة الطالبين للإمام النووي) :
اسم الکتاب : فقه العبادات على المذهب الشافعي المؤلف : درية العيطة الجزء : 1 صفحة : 203