اسم الکتاب : فقه العبادات على المذهب الشافعي المؤلف : درية العيطة الجزء : 1 صفحة : 198
- 1- تحرم على الحائض والنفساء الطهارة بنية رفع الحدث، أو نية العبادة كغسل الجمعة، أما الطهارة المسنونة للنظافة كالغسل للإحرام وغسل العيد ونحوه من الأغسال المشروعة التي لا تفتقر إلى طهارة فلا تحرم، والدليل عليه قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها حين حاضت في الحج: (افعلي كما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري) (البخاري ج 2/ كتاب الحج باب 80/1567)
-2- الصلاة فرضاً أو نفلاً، وصلاة الجنازة، وسجدة الشكر، والتلاوة، فإذا حرمت هذه الأمور بالحدث الأصغر فلأن تحرم بالحدث الأكبر أولى. روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للنساء: (أليس إذا حاضت - يعني المرأة _ لم تصل ولم تصم) (البخاري ج 1 / كتاب الحيض باب 6/298)
-3- الصوم فرضاً أو نفلاً، للحديث المتقدم
-4- قراءة القرآن أي التلفظ به بحيث تسمع نفسها إذا كانت معتدلة السمع لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن) (الترمذي ج 1 / أبواب الطهارة باب 98/131) ولا مانع إذا أجرت القرآن على قلبها، أو نظرت في المصحف أو حركت لسانها وهمست همساً بحيث لا تسمع نفسها، فكل ذلك لا يحرم لأنه لا يسمى قراءة، وإشارة الأخرس حكمها حكم النطق إذا كان يفهمها كل أحد، وإلا فلا تحرم وتقع الحرمة كذلك إن قصدت القراءة ولو مع غيرها من النيات، أما إن قصدت الذكر أو أطلقت - أي لم تنو شيئاً - فلا حرمة لأنه لا يسمى قرآنا لوجود الصارف (أي الحيض أو النفاس) أما في حال عدم وجود الصارف فمجرد القراءة يسمى قرآنا ولو لم يقصد
والنطق ولو بحرف واحد بقصد التلاوة، مع وجود الصارف يحرم، لأنه شروع في معصية أما التسبيح والتهليل وسائر الأذكار غير القرآن فجائز
-5- مس المصحف (المصحف اسم المكتوب من كلام الله، والمراد به كل ما كتبه عليه كلام الله ولو عموداً، ولو لوحاً، أو نحو ذلك، وبهذا تخرج التميمة ما لم تسم مصحفاً، والتميمة عوذة تعلق على الإنسان دفعاً للحسد أو سائر الأذى، وقد يكون خرزة أو ما يماثلها من شَبَّةٍ وغيرها، وهذه لا فائدة منها، يحرم الاعتقاد بنفعها، وتعتبر مصحفاً إذا كان عليها آيات من القرآن فلا يجوز عندئذ حملها في الحيض والنفاس. وهذه التي كتب عليها شيء من القرآن لا مانع من أن يعلقها الطاهر عليه تبركاً، معتمداً على الله) بأي جزء من البدن لقوله تعالى {لا يمسه إلا المطهرون} ولو كان المس بحائل، ومس ثوبه، وصندوقه، وكرسيه وهو عليه، وجلده المتصل به أو المنفصل عنه ما لم تنقطع نسبته إليه، كأن يجعل جلداً لكتاب آخر، ويحرم أيضا حمل المصحف ولو ضمن أمتعة إن قصد حمله هو فقط، أما إن قصد حمل المتاع، أو قصد حمله والمتاع فلا حرمة، كذلك لا حرمة في حمل تفسيره الذي مزجت فيه آياته بتفسيرها وكان التفسير أكثر منه أما التفاسير التي فصلت فيها الآيات الكريمة عن التفسير فلا يجوز مسها وحملها إلا على طهارة. أما إن خافت إحداهما (الحائض والنفساء) على المصحف من حريق أو نجاسة أو وقوع بيد كافر، فلها أن تحمله بل يجب
-6- يحرم اللبث في المسجد والتردد فيه لقوله صلى الله عليه وسلم فيما روته عنه عائشة رضي الله عنها (فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب) (أبو داود ج 1 / كتاب الطهارة باب 93/232) أما العبور لأخذ شيء ألو للوصول إلى جانب آخر من الطريق، أو غير ذلك فجائز، لقوله تعالى: {إلا عابري سبيل} على أن تستوثق من نفسها، وتأمن التلويث، وإلا حرم. أما عبورها المسجد بلا حاجة فمكروه، ولو أمنت التلويث وصورة العبور أن يكون للمسجد بابان فتدخل من أحدهما تخرج من الآخر، وإلا كان تردداً وهو لا يجوز.
-7- الطواف لأنه بمنزلة الصلاة، إلا أن الله أحل فيه النطق بخير. وسواء كان الطواف فرضاً كطواف الإفاضة، أو واجباً كطواف الوداع، أو نفلاً كطواف القدوم، لما روت عائشة رضي الله عنها من قوله صلى الله عليه وسلم لها لما حاضت في الحج (فإن ذلك شيء كتبه الله على بنات آدم فافعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري) (البخاري ج 1 / كتاب الحيض باب 7/299) .
-8 - الوطء، ولو في الدبر، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها، أو كاهناً فقد كفر بما أنزل على محمداً) (الترمذي ج 1/ أبواب الطهارة باب 102/135) ويحرم ذلك قبل انقطاع الدم، ويكفر مستحله إن كان عامداً مختاراً عالماً بالتحريم وبالحيض، ذاكراً له، أما بعد انقطاع الدم، وقبل الغسل فحرام على كليهما ولكن لا يكفر مستحله، أما بعد الغسل فله أن يطأها في الحال من غير كراهة، إن لم تخف عودة الدم، وإلا استحب له تجنب الوطء احتياطاً. قال تعالى: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن، فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله} (البقرة 222)
ويكفر مستحل الوطء في الزمن المجمع على الحيض فيه - أي الأيام العشرة الأوائل من الحيض - بخلاف غير المجمع عليه، وهو الزائد على العشرة، فلا يكفر مستحل الوطء فيه كل ذلك ما لم يخف الوقوع في الزنى، وإلا جاز له الوطء ولو لم ينقطع الدم، والمشهور في المذهب الشافعي أنه لا كفارة فيه، لكن يسن له التصدق بدينار إن كان الوطء فيه إقبال الدم، وبنصف دينار إن كان دماً أحمر فدينار وإن كان دماً أصفر فنصف دينار) (الترمذي ج 1 / أبواب الطهارة باب 103/137)
-9- يحرم الاستمتاع - التمتع والتلذذ - فيما بين السرة والركبة، بوطء أو غيره، لقوله تعالى: {فاعتزلوا النساء في المحيض} ، ولما روي عن حرام بن حكيم عن عمه " أنه سأل الرسول صلى الله عليه وسلم ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ قال: (لك ما فوق الإزار) " ولأن الاستمتاع ولو بلا شهوة قد يدعو إلى الجماع، فمن يرعى حول الحمى يوشك أن يخالط الحمى، لذا حرم. فما سوى ما بين السرة والركبة مباشرتها فيه حلال بإجماع المسلمين، روي عن عائشة رضي الله عنها قالت" كانت إحدانا إذا كانت حائضاً فأراد الرسول أن يباشرها (المباشرة هنا: التقاء البشرتين على أي وجه كان) أمرها أن تتزر في فور حيضتها، ثم يباشرها. قالت: وأيكم يملك إربه كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يملك إربه" (البخاري ج 1 / كتاب الحيض باب 5/296)
وقيل لا يحرم إلا الوطء، وهذا ما رأى الإمام النووي أنه الأقوى، لما روى أنس رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح) (مسلم ج 1 / كتاب الحيض باب 3/16) لكن المعتمد هو الحديث الأول.
-10 - يحرم الطلاق، لأن الطلاق والمرأة حائض أو نفساء يطيل عليها العدة، لأن مدة الحيض أو النفاس أثناء الطلاق لا تحسب من العدة، وهذا فيه ضرر.
وإذا نقيت الحائض أو النفساء، ارتفع من الأمور المحرمة - المتقدم ذكرها في الأحكام - قبل أن تغتسل: تحريم الصوم، والطهارة، والعبور بالمسجد، وارتفعت عن الزوج حرمة الطلاق، وذلك لانتفاء على التحريم في كل منها: وهي في الصوم اجتماع ضعفين الصوم والنزف، وفي الطلاق إطالة مدة العدة، وفي عبور المسجد خوف التلويث، فصارتا عن انقطاع الدم كالجنب ولا تحل الصلاة والطواف، وقراءة القرآن، وحمل المصحف حتى تغتسلا، لأن المنع منها للحدث، والحدث باق، وكذا لا يحل الاستمتاع بها حتى تغتسل، كما تقدم.
ويجب على الحائض والنفساء بعد النقاء قضاء الصوم دون الصلاة، للحديث المروي عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان يصيبنا ذلك- تعني الحيض - فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة" (مسلم ج 1 / كتاب الحيض باب 15/69) والعلة في عدم قضاء الصلاة أنها تكثر فيشق قضاؤها، وقال بعضهم بحرمة قضاء الصلاة عن أيام الحيض والنفاس، وقال آخرون بكراهته، والأوجه عدم التحريم.
اسم الکتاب : فقه العبادات على المذهب الشافعي المؤلف : درية العيطة الجزء : 1 صفحة : 198