responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الحاوي الكبير المؤلف : الماوردي    الجزء : 9  صفحة : 49
فَصْلٌ
وَإِذَا كَانَا جَاهِلَيْنِ بِتَحْرِيمِ النِّكَاحِ بِغَيْرِ ولي فلا حد عليهما، لِأَنَّ الْجَهْلَ بِالتَّحْرِيمِ أَقْوَى شُبْهَةً، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " ادرأوا الحدود بالشبهات "، ولأن من جهل تحريم الزنا لحدوث إسلامه لم يجد فكان هذا بدرء الحد أولى، ألا ترى أن قول عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي أَمَةٍ أَقَرَّتْ بِالزِّنَا إِقْرَارَ جَاهِلٍ بِتَحْرِيمِهِ أَرَاهَا تَشْهَدُ بِهِ كَأَنَّهَا لَمْ تَعْلَمْ، وَإِنَّمَا الْحَدُّ عَلَى مَنْ علم.
ثم يتعلق عَلَى هَذِهِ الْإِصَابَةِ مِنَ الْأَحْكَامِ مَا يَتَعَلَّقُ عَلَى النِّكَاحِ الصَّحِيحِ إِلَّا فِي الْمُقَامِ عَلَيْهِ فيوجب العدة، ويلحق بالنسب، وَيَثْبُتُ بِهِ تَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ وَلَكِنْ فِي ثُبُوتِ الْمَحْرَمِيَّةِ بِهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: تَثْبُتُ بِهَا الْمَحْرَمُ كَمَا تَثْبُتُ بِهَا تَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ فَلَا تُحْجَبُ عن أبيه وابنه ولا تحجب عنه أمها وبنتها.
والوجه الثاني: أن يثبت المحرم وإن ثبت به تحريم المصاهرة، لأننا أثبتنا تحريم المصاهرة تغليظاً فاقتضى أن ينتفي عَنْهُ ثُبُوتُ الْمَحْرَمِ تَغْلِيظًا.
فَصْلٌ
وَإِنْ كَانَا مُعْتَقِدَيْنِ لِتَحْرِيمِهِ يَرَيَانِ فِيهِ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ مِنْ إبطال النكاح بغير ولي فمحظور عليهما الإصابة فإن اجتمعا عليها وَوَطِئَهَا، فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لَا حد عليهما وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ - مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ - وهو مذهب الزهري، وأبي ثور: الحد عَلَيْهِمَا وَاجِبٌ لِرِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: " البغي من نكحت بغير ولي ".
والأثر المروي عن عمر في المرأة والرجل جَمَعَتْهُمَا رُفْقَةٌ فَوَلَّتْ أَمْرَهَا رَجُلًا مِنْهُمْ فَزَوَّجَهَا فَجَلَدَ النَّاكِحَ وَالْمُنْكَحَ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى سُقُوطِ الْحَدِّ قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْخَبَرِ الْمَاضِي: " أَيُّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ " فَأَبْطَلَ النِّكَاحَ وَأَوْجَبَ المهر دون الْحَدَّ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: " ادرأوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ " وَأَقْوَى الشُّبَهَاتِ عَقْدٌ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي إِبَاحَتِهِ فَكَانَ بِإِدْرَاءِ الْحَدِّ أَوْلَى. فَأَمَّا قَوْلُهُ: " الْبَغِيُّ مَنْ نَكَحَتْ بِغَيْرِ وَلِيٍّ " فَهِيَ لَا تَكُونُ بَغِيًّا بِالنِّكَاحِ إِجْمَاعًا، وَإِنَّمَا يَقُولُ مَنْ يُوجِبُ الْحَدَّ، إِنَّهَا تَكُونُ بِالْوَطْءِ بَغِيًّا فَلَمْ يَكُنْ فِي التَّعَلُّقِ بِهِ دَلِيلٌ، ثُمَّ يحمل على أنه يتعلق عليها بعض الأحكام الْبَغِيِّ وَهُوَ تَحْرِيمُ الْوَطْءِ، وَلَا يُمْتَنَعُ أَنْ يُسَمَّى بَعْضُ أَحْكَامِ الْبَغْيِ بَغْيًا كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مِنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَدْ كَفَرَ " فَسَمَّاهُ بِبَعْضِ أَحْكَامِ الْكُفْرِ كَافِرًا، وَأَمَّا الْأَثَرُ عَنْ عُمَرَ فَالْجَلْدُ فِيهِ عِبَارَةٌ عَنِ التَّعْزِيرِ أَلَّا تَرَاهُ جَلَدَ النَّاكِحَ وَالْمُنْكَحَ وَالْحَدُّ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُنْكِحِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ عَزَّرَهُمَا.

اسم الکتاب : الحاوي الكبير المؤلف : الماوردي    الجزء : 9  صفحة : 49
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست