responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الحاوي الكبير المؤلف : الماوردي    الجزء : 9  صفحة : 43
فِعْلُهُ عَلَى مَا جَرَى بِهِ الْعُرْفُ مِنَ الْمَعْرُوفِ الْحَسَنِ، وَلَيْسَ مِنَ الْمَعْرُوفِ الْحَسَنِ أَنْ تُنْكِحَ نَفْسَهَا بِغَيْرِ وَلِيٍّ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا " فَقَدْ مَرَّ الْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ لِأَهْلِ اللُّغَةِ فِي الْأَيِّمِ قولين:
أحدهما: الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا، وَإِنْ لَمْ تُنْكَحْ قَطُّ يُقَالُ: امْرَأَةٌ أَيِّمٌ، إِذَا كَانَتْ خَلِيَّةً مِنْ زَوْجٍ وَرَجُلٌ أَيِّمٌ إِذَا كَانَ خَلِيًّا مِنْ زَوْجَةٍ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا لَا يُقَالُ لَهَا أَيِّمٌ إِلَّا إِذَا نَكَحَتْ ثُمَّ حَلَّتْ بِمَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
(فإن تنكحي أنكح وإن تتأيمي ... يدا الدهر ما لم تنكحي أَتَأَيَّمِ)

فَأَمَّا الْأَيِّمُ فِي هَذَا الْخَبَرِ فَالْمُرَادُ بِهَا الثَّيِّبُ مِنَ الْخَالِيَاتِ الْأَيَامَى دُونَ الْأَبْكَارِ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ: " الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا ".
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا قَابَلَ الْأَيِّمَ بِالْبِكْرِ اقْتَضَى أَنْ تَكُونَ الْبِكْرُ غَيْرَ الْأَيِّمِ، لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ غَيْرُ الْبِكْرِ إِلَّا الثَّيِّبُ فَلِهَذَا عَدَلَ بِالْأَيِّمِ عَنْ حَقِيقَةِ اللُّغَةِ إِلَى مُوجِبِ الْخَبَرِ.
فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةُ فَعَنِ الْخَبَرِ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ:
أحدها: أنها أحق بنفسها فِي أَنَّهَا لَا تُجْبَرُ إِنْ أَبَتْ وَلَا تمنع إن طلبت تدل تَفَرُّدَهَا بِالْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ شُهُودٍ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ جَعَلَ لَهَا وَلِيًّا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي جَعَلَهَا أحق بنفسها موجب أن لا يسقط وِلَايَتُهُ عَنْ عَقْدِهَا لِيَكُونَ حَقُّهَا فِي نَفْسِهَا وَحَقُّ الْوَلِيِّ فِي عَقْدِهَا فَيَجْمَعُ بَيْنَ هَذَا الْخَبَرِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ " لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ " فِي الْعَقْدِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ لَفْظَةَ " أَحَقُّ " مَوْضُوعَةٌ فِي اللُّغَةِ لِلِاشْتِرَاكِ فِي الْمُسْتَحَقِّ إِذَا كَانَ حق أحدها فِيهِ أَغْلَبَ كَمَا يُقَالُ زَيْدٌ أَعْلَمُ مِنْ عَمْرٍو إِذَا كَانَا عَالِمَيْنِ، وَأَحَدُهُمَا أَفْضَلُ وَأَعْلَمُ، وَلَوْ كَانَ زَيْدٌ عَالِمًا، وَعَمْرٌو جَاهِلًا لَكَانَ كلاماً مردوداً، لأنه لا يَصِيرُ بِمَثَابَةِ قَوْلِهِ الْعَالِمُ أَعْلَمُ مِنَ الْجَاهِلِ، وهذا الفرد إذا كان ذلك موجباً لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقٌّ وَحَقُّ الثَّيِّبِ أَغْلَبُ، فَالْأَغْلَبُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِهَتِهَا الْإِذْنُ وَالِاخْتِيَارُ من جهة قَبُولِ الْإِذْنِ فِي مُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: " لَيْسَ لِلْوَلِيِّ مَعَ الثَّيِّبِ أَمْرٌ ".

اسم الکتاب : الحاوي الكبير المؤلف : الماوردي    الجزء : 9  صفحة : 43
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست