responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الحاوي الكبير المؤلف : الماوردي    الجزء : 9  صفحة : 360
الْمَذْهَبَيْنِ، وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ أَيْضًا مَا رَوَاهُ ابْنُ مَوْهَبٍ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ كَانَ لَهَا غُلَامٌ وَجَارِيَةٌ، فأرادت عتقها فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ابدأي بِالْغُلَامِ فَلَمْ يَأْمُرِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِتَقْدِيمِ عِتْقِ الزَّوْجِ إِلَّا لِفَائِدَةٍ وَلَا فَائِدَةَ إلا سقوط خيار الزوجة عَلَى أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ لَهَا: ابدأي بالغلام، لأن لا يَكُونَ لِلزَّوْجَةِ خِيَارٌ، فَكَانَ هَذَا نَصًّا صَرِيحًا.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ: أَنَّهَا كَافَأَتْ زَوْجَهَا فِي الْفَضِيلَةِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَثْبُتَ لَهَا بِذَلِكَ خِيَارٌ كَمَا لَوْ أَسْلَمَتْ تَحْتَ مسلم أو أفاقت من جنون تَحْتَ عَاقِلٍ، وَلِأَنَّ مَا لَمْ يَثْبُتْ بِهِ الْخِيَارُ فِي ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ الخيار في أثناء النكاح كالعمى طَرْدًا، وَكَالْجَبِّ عَكْسًا، وَلِأَنَّ مَا لَزِمَ مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ مِنْ غَيْرِ عَيْبٍ خِيَارٌ كَالْبَيْعِ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِقَوْلِهِ: " قَدْ مَلَكْتِ بُضْعَكِ فَاخْتَارِي " فَهُوَ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ مَا نَقَلَهُ غَيْرُهُمْ وَلَا وُجِدَ إِلَّا فِي كُتُبِهِمْ ثُمَّ يَكُونُ مَعْنَاهُ قَدْ مَلَكْتِ نَفْسَكِ تَحْتَ الْعَبْدِ فَاخْتَارِي فَلَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا تَحْتَ الْحُرِّ.
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الزَّوْجِ إِذَا كَانَ عَبْدًا فَالْمَعْنَى فيه نقصه بالرق عن كمالها بالحرية فذلك كَانَ عَيْبًا يُوجِبُ الْخِيَارَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ عِتْقُهَا مَعَ الْحُرِّ.
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَ عَلَيْهَا بُضْعَهَا بِمَهْرٍ مَلَكَهُ غَيْرُهَا فَلَا تَأْثِيرَ لهذا المعنى، واستحقاق الْخِيَارِ، لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُكَاتِبَةً وَقْتَ الْعَقْدِ فَمَلَكَتْ مَهْرَهَا ثُمَّ أُعْتِقَتْ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ فبطل أن يكون استحقاقه لهذه العلة، وبطل أن يكون الْعِلَّةَ، لِأَنَّهَا قَدْ مَلَكَتْ بِالْعِتْقِ مَا مُلِكَ عليها في الرق، لأنها لو أوجرت ثم عتقت لَمْ يَكُنْ لَهَا فِي فَسْخِ الْإِجَارَةِ خِيَارٌ فَلَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيلُ بِوَاحِدٍ مِنَ الْأَمْرَيْنِ فَبَطَلَ الاستدلال - والله أعلم -.
قال الشافعي رضي الله تعالى عنه: " فَلِهَذَا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - كَانَ لَهَا الْخِيَارُ إِذَا أعتقت ما لم يصبها زوجها بَعْدَ الْعِتْقِ وَلَا أَعْلَمُ فِي تَأَقْيِتِ الْخِيَارِ شَيْئًا يُتَّبَعُ إِلَّا قَوْلَ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا لَمْ يَمَسَّهَا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَإِذَا ثَبَتَ أَنْ لَا خِيَارَ لَهَا إِذَا أُعْتِقَتْ إِلَّا أَنْ يَكُونَ زَوْجُهَا عَبْدًا فَلَهَا أَنْ تَخْتَارَ الْفَسْخَ بِحُكْمِ حَاكِمٍ، وَغَيْرِ حُكْمِهِ بِخِلَافِ الْفَسْخِ بالعيوب، لأن خيارها بالعتق غير مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَلَمْ يَفْتَقِرْ إِلَى حَاكِمٍ، وَخِيَارَهَا بِالْعَيْبِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَافْتَقَرَ إِلَى حَاكِمٍ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهَلْ يَكُونُ خِيَارُهَا عَلَى الْفَوْرِ أَوِ التَّرَاخِي فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ على الفور معتبراً بالمكنة، لأنه خيار عيب ثبت لرفع ضرر فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ عَلَى الْفَوْرِ كَالْخِيَارِ بِالْعِتْقِ فِي الْبُيُوعِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّهُ مُمْتَدٌّ بَعْدَ الْعِتْقِ إِلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ هِيَ آخِرُ حَدِّ القليل، وأول حد الكثير، واعتباراً بالخيار في المصراة ثلاثاً، بأنه جَعَلَ الْخِيَارَ خِيَارَ ثَلَاثٍ.

اسم الکتاب : الحاوي الكبير المؤلف : الماوردي    الجزء : 9  صفحة : 360
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست