responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الحاوي الكبير المؤلف : الماوردي    الجزء : 9  صفحة : 307
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ دِينٍ وَاحِدٍ فَفِي وُجُوبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِمْ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: - وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ - إنَّهُ لَا يَجِبُ وَالْحَاكِمُ مخير في الحكم بينهم، وهو إِذَا حَكَمَ عَلَيْهِمْ مُخَيَّرُونَ فِي الْتِزَامِ حُكْمِهِ اعْتِبَارًا بِأَهْلِ الْعَهْدِ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَإنْ جَاؤًكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: - وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ، وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيُّ إِنَّ الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ وَاجِبٌ فَيَلْزَمُ الْحَاكِمُ إِذَا تَرَافَعُوا إِلَيْهِ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ، وَعَلَيْهِمْ إذا حكم أن يلتزموا حكمه وَإِذَا اسْتَعْدَى أَحَدُهُمْ عَلَى الْآخَرِ وَجَبَ أَنْ يعديه الحاكم، وأن يخص الْمُسْتَعْدَى عَلَيْهِ فَإِنِ امْتَنَعَ مِنَ الْحُضُورِ أَجْبَرَهُ وعزره، وإنما كان كذلك بقول اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ} (المائدة: 49) . وَهَذَا أَمْرٌ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَنْ يْدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) {التوبة: 29) .
قَالَ أَصْحَابُنَا: وَالصَّغَارُ أَنْ تَجْرِيَ عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رحم يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا فَلَوْ لَمْ يَلْزَمْهُمْ حُكْمُهُ لَامْتَنَعُوا من إقامة الحد عليهم، ولأننا نجريهم بالدفع عَنْهُمْ مِنَّا وَمِنْ غَيْرِنَا مَجْرَى الْمُسْلِمِينَ فَوَجَبَ أَنْ نَدْفَعَ عَنْهُمْ بِالْحُكْمِ بَيْنَهُمْ فِي اسْتِيفَاءِ الحقوق لهم كما نحكم بين المسلمين، وبهذا تفرق بينهم وبين المعادين، لَا يَلْزَمُنَا أَنْ نَدْفَعَ عَنْهُمْ غَيْرَنَا فَلَمْ يَلْزَمْنَا أَنْ نَحْكُمَ بَيْنَهُمْ وَلَا أَنْ نَدْفَعَ بَعْضَهُمْ عَنْ بَعْضٍ.
فَأَمَّا أبو حنيفة فَلَمْ يَعْمَلْ بِوَاحِدٍ مِنَ الْقَوْلَيْنِ عَلَى إِطْلَاقِهِ وَقَالَ: لَا يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ إِلَّا أَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَى الرضى بِحُكْمِ الْإِمَامِ، فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ الْحَاكِمَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَ الْمُتَرَافِعِينَ إِلَيْهِ، وَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَلْتَزِمُوا حُكْمَهُ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ بَيْنَ ذِمِّيَيْنِ مِنْ دِينَيْنِ كَيَهُودِيٍّ وَنَصْرَانِيٍّ تَحَاكَمَا إِلَيْنَا فَقَدِ اختلف أصحابنا فيهم، فَكَانَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ يُخَرِّجُ وُجُوبَ الْحُكْمِ بَيْنَهُمَا عَلَى قَوْلَيْنِ كَمَا لَوْ كَانَا عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ، لَأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ.
وقال غيره من أصحابنا: أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا قَوْلًا وَاحِدًا.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ أن يكون مِنْ دِينٍ وَاحِدٍ أَوْ دِينَيْنِ أَنَّهُمَا إِذَا كانا من دين واحد فلم يحكم كَانَ لَهُمْ حَاكِمٌ وَاحِدٌ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَأَمْكَنَ وُصُولُهُمْ إِلَى الْحَقِّ مِنْهُ، وَإِذَا كَانَا عَلَى دِينَيْنِ اخْتَلَفَا فِي الْحَكَمِ إِنْ لَمْ يحكم بينهما حاكمنا فدعى النصراني على حاكم النصارى، ودعى الْيَهُودِيُّ إِلَى حَاكِمِ الْيَهُودِ فَتَعَذَّرَ وُصُولُ الْحَقِّ إِلَّا بِحَاكِمِنَا فَلِذَلِكَ لَزِمَهُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا.

فَصْلٌ
فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْقَوْلَيْنِ فَهِيَ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ فَأَمَّا حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى فقد اختلف أصحابنا فيها على ثلاثة مذاهب.
أَحَدُهَا: أَنَّهَا عَلَى قَوْلَيْنِ كَحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ.

اسم الکتاب : الحاوي الكبير المؤلف : الماوردي    الجزء : 9  صفحة : 307
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست