responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الحاوي الكبير المؤلف : الماوردي    الجزء : 9  صفحة : 262
الْحَاكِمُ الْفُرْقَةَ بِطَلْقَةٍ تَعَلُّقًا بِأَنَّ الْفُرْقَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا بِالْحَادِثِ، وَلَيْسَ يَخْلُو الْحَادِثُ مِنْ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ.
إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِإِسْلَامِ مَنْ أَسْلَمَ، أَوْ لِكُفْرِ مَنْ تَأَخَّرَ، أَوْ لِحُكْمِ حَاكِمٍ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ لِلْإِسْلَامِ، لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ فَلَمْ يَكُنْ سَبَبًا لِزَوَالِ مِلْكِهِ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ لِلْكُفْرِ، لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ، وَالنِّكَاحُ بِحَالِهِ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ، فَاقْتَضَى أَنْ تَتَعَلَّقَ الْفُرْقَةُ بِهِ تَقَدَّمَ الْحُكْمُ أَوْ تَأَخَّرَ، قَالَ: وَلِأَنَّ إِسْلَامَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لَا يُوقِعُ الْفُرْقَةَ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ أَسْلَمَ زَوْجُ الْكِتَابِيَّةِ.
وَدَلِيلُنَا: هُوَ أَنَّ اخْتِلَافَ الدِّينِ إِذَا مَنَعَ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ أَوْجَبَ وُقُوعَ الْفُرْقَةِ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ قِيَاسًا عَلَى إِسْلَامِ أَحَدِهِمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَلِأَنَّ دَارَ الْإِسْلَامِ أَغْلَظُ فِي أَحْكَامِ النِّكَاحِ مِنْ دَارِ الشِّرْكِ، ثُمَّ كَانَتْ دَارُ الشِّرْكِ لَا تُرَاعِي فِي وُقُوعِ الْفُرْقَةِ، بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا حُكْمَ الْحَاكِمِ فَدَارُ الْإِسْلَامِ بِذَلِكَ أَوْلَى.
فَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ الْأَوَّلُ فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْفُرْقَةَ إِنَّمَا وَقَعَتْ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ الْمَانِعِ مِنِ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ، وَلَيْسَ مِنَ الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ فَلَمْ يَصِحَّ الِاسْتِدْلَالُ بِهَا.
وَأَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى إِسْلَامِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فَالْمَعْنَى فِيهِ: أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مِنِ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمُسْلِمُ كِتَابِيَّةً لَمْ تَقَعِ الْفُرْقَةُ بِإِسْلَامِ الزَّوْجِ الْكِتَابِيِّ، وليس كذلك في ملتنا لأنه لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمُسْلِمُ وَثَنِيَّةً، وَلَا الْوَثَنِيُّ مُسْلِمَةً فَجَازَ أَنْ تَقَعَ الْفُرْقَةُ بِإِسْلَامِ أَحَدِ الْوَثَنِيَّيْنِ.

فَصْلٌ
فَإِذَا ثَبَتَ وَتَقَرَّرَ أَنَّ النِّكَاحَ بِإِسْلَامِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ الدُّخُولِ بَاطِلٌ وَأَنَّهُ بَعْدَ الدُّخُولِ مَوْقُوفٌ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَقَدُّمِ إِسْلَامِ الزَّوْجِ أَوِ الزَّوْجَةِ بِخِلَافِ مَا قَالَهُ مَالِكٌ، وَأَنَّهُ لا فرق بين اختلاف الدارين أو اتفاقهما بِخِلَافِ مَا قَالَهُ أبو حنيفة، فَإِنَّ الزَّوْجَةَ الْمَدْخُولَ بِهَا قَبْلَ اجْتِمَاعِ إِسْلَامِهِمَا جَارِيَةٌ فِي عِدَّةِ الْفُرْقَةِ فَإِنْ لَمْ يُسْلِمِ الْمُتَأَخِّرُ مِنْهُمَا فِي الشِّرْكِ حَتَّى انْقَضَتِ الْعِدَّةُ، بِأَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بِتَقَدُّمِ الْإِسْلَامِ، وَحَلَّتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ هَذِهِ العدة للأزواج.
وقال أبو حنيفة: ليست تلك الْعِدَّةُ عِدَّةَ فُرْقَةٍ وَإِنَّمَا هِيَ عِدَّةٌ يُعْتَبَرُ بها صحة النكاح باجتماع الإسلامين فيهما فَإِذَا لَمْ يَجْتَمِعْ إِسْلَامُهُمَا وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ بِانْقِضَائِهَا، وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يوجب عليها بعد الفرقة عدة أخرى ولا توفيها فَإِنْ أَوْجَبَ عَلَيْهَا عِدَّةً أُخْرَى فَقَدْ أَلْزَمَهَا عِدَّتَيْنِ، وَلَيْسَتْ تَجِبُ عَلَى الْمُفَارَقَةِ إِلَّا عِدَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهَا عِدَّةً أُخْرَى بَطَلَ قَوْلُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَوْجَبَ الْعِدَّةَ قَبْلَ الْفُرْقَةِ، وَأَسْقَطَهَا بَعْدَ الْفُرْقَةِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْعِدَّةَ تَجِبُ إِمَّا لِاسْتِبْرَاءٍ أَوْ فُرْقَةٍ وَقَدْ أَوْجَبَهَا لِغَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ وَلَا فُرْقَةٍ، وَإِذَا صح ما ذكرنا من وقوع الفرقة تقدم الْإِسْلَام فَطَلَّقَهَا فِي حَالِ الْعِدَّةِ أَوْ آلَى مِنْهَا أَوْ ظَاهَرَ كَانَ ذَلِكَ مَوْقُوفًا عَلَى مَا يَكُونُ مِنِ اجْتِمَاعِ الْإِسْلَامَيْنِ فَإِنِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ فِي الْعِدَّةِ صَحَّ الْإِيلَاءُ

اسم الکتاب : الحاوي الكبير المؤلف : الماوردي    الجزء : 9  صفحة : 262
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست