responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الحاوي الكبير المؤلف : الماوردي    الجزء : 9  صفحة : 218
قال المناظر: لَا يَمْنَعُهُ الْحَرَامُ مَا مَنَعَهُ الْحَلَالُ، فَكَانَ هذا منه زيادة اعتراف تفرق مَا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ ثُمَّ إِنَّ الشَّافِعِيَّ حكي عَنْهُ اسْتِئْنَاف سُؤَالٍ يَدُلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْحَرَامَ قَدْ يُحَرِّمُ الْحَلَالَ وَهُوَ أَنْ تَرْتَدَّ الْمَرْأَةُ فَتَحْرُمُ بِالرِّدَّةِ عَلَى زَوْجِهَا، فَلَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يَكُونَ الْحَرَامُ مُحَرِّمًا لِلْحَلَالِ.
فَأَجَابَهُ الشافعي رضي الله عنه بِأَنْ قَالَ: نَعَمْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ، وَعَلَى جَمِيعِ النَّاسِ، وَاقْتُلهَا وَاجْعَل مَالَهَا فَيْئًا يُرِيدُ بِذَلِكَ أن تحرم الردة عام، ولا يَخْتَصُّ بِتَحْرِيمِ النِّكَاحِ، وَإِنَّمَا دَخَلَ فِيهِ تَحْرِيمُ النِّكَاحِ تَبَعًا فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا لِحُكْمِ مَا يَخْتَصُّ بِتَحْرِيمِ النِّكَاحِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ
فإذ تقرر ما وصفنا من الزِّنَا لَا يَحْرُمُ النِّكَاحُ فَجَاءَتِ الزَّانِيَةُ بِوَلَدٍ مِنْ زِنًا كَانَ وَلَدُ الزَّانِيَةِ دُونَ الزَّانِي لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الولد للفراش وللعاهر الحجر " وإنما لحق بها دونه؛ لأنه مخلوق منهما عِيَانًا، وَمِنَ الْأَبِ ظَنًّا فَلَحِقَ بِهَا وَلَدُ الزنا والنكاح لمعاينة وضعهما لَهُمَا، وَلَحِقَ بِالْأَبِ وَلَدُ النِّكَاحِ دُونَ الزِّنَا لِغَلَبَةِ الظَّنِّ بِالْفِرَاشِ فِي النِّكَاحِ دُونَ الزِّنَا، وَإِذَا لَمْ يَلْحَقْ وَلَدُ الزِّنَا بِالزَّانِي وَكَانَتْ ثيباً جَازَ لِلزَّانِي أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَإِنْ كره له أن يتزوجها، واختلف أصحابنا في معنى الكراهية.
فقال بعضهم: لاختلاف الفقهاء في إباحتها، وكره اسْتِبَاحَتِهِ مُخْتَلَفٌ فِيهَا.
وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَرِهَ نكاحها لجواز أن يكون مَخْلُوقَةً مِنْ مَائِهِ.
وَقَالَ أبو حنيفة: قَدْ حَرُمَ عَلَى الزَّانِي نِكَاحُهَا، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي مَعْنَى تَحْرِيمِهَا فَقَالَ مُتَقَدِّمُوهُمْ: لِأَنَّهَا بَنَتُ امْرَأَةٍ قَدْ زَنَى بِهَا فَتَعَدَّى تَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ إِلَيْهَا فَعَلَى هَذَا يَكُونُ فَرْعًا عَلَى الْخِلَافِ الْمَاضِي.
وقال متأخروهم: بل حرمت؛ لأنها بنته مَخْلُوقَةٌ مِنْ مَائِهِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ خِلَافًا مُسْتَأْنَفًا وَاسْتَدَلُّوا فِيهِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ) {النساء: 23) وَهَذِهِ بِنْتُهُ، لِأَنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّيهَا بِنْتًا، وَلَا يُعْتَبَرُ عَقْدُ النِّكَاحِ.
قَالُوا: وَلِأَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ مِنْ مِائِهِ فِي الظَّاهِرِ، فَوَجَبَ أَنْ تَحْرُمَ عَلَيْهِ كَالْمَوْلُودَةِ مِنْ زَوْجة أَوْ أمة؛ وَلِأَنَّ وَلَدَ الزِّنَا مَخْلُوقٌ مِنْ مَاءِ الرجل الزَّانِي وَالزَّانِيَةِ، فَلَمَّا حَرُمَ وَلَدُ الزِّنَا عَلَى الزَّانِيَةِ وَجَبَ أَنْ يَحْرُمَ عَلَى الزَّانِي قِيَاسًا عَلَى وَلَدِ الشُّبْهَةِ.
وَلِأَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ مِنْ مِائِهِ فلم يكن نفيها عنه يمانع مِنْ تَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ قِيَاسًا عَلَى وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ.
وَدَلِيلُنَا: هُوَ أَنَّ تَحْرِيمَ الْوَلَدِ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ النَّسَبِ، فَوَجَبَ أَنْ يَنْتَفِيَ عَنْ مَاءِ الزاني كَالْمِيرَاثِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لُحُوقُ النَّسَبِ بِالزَّانِيَةِ يُوجِبُ أَنْ يَتْبَعَهُ التَّحْرِيمُ كَمَا تَبِعَهُ الْمِيرَاثُ وَجَبَ إِذَا انْتَفَى النَّسَبُ عَنِ الزَّانِي أَنْ يَتْبَعَهُ التَّحْرِيمُ كَمَا تَبِعَهُ الْمِيرَاثُ، وَقَدْ يَتَحَرَّرُ مِنْ هَذَا الِاعْتِلَالِ قِيَاسَانِ:

اسم الکتاب : الحاوي الكبير المؤلف : الماوردي    الجزء : 9  صفحة : 218
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست