responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مواهب الجليل في شرح مختصر خليل المؤلف : الرعيني، الحطاب    الجزء : 1  صفحة : 231
تُسَمَّى نِيَّةً، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَزْمِ أَنَّ الْعَزْمَ تَصْمِيمٌ عَلَى إيقَاعِ الْفِعْلِ وَالنِّيَّةَ تَمْيِيزٌ لَهُ فَهِيَ أَخْفَضُ مِنْهُ رُتْبَةً وَسَابِقَةٌ عَلَيْهِ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الْأُمْنِيَةِ: هِيَ إرَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِإِمَالَةِ الْفِعْلِ إلَى بَعْضِ مَا يَقْبَلُهُ لَا بِنَفْسِ الْفِعْلِ مِنْ حَيْثُ هُوَ فِعْلٌ. فَفَرْقٌ بَيْنَ قَصْدِنَا لِفِعْلِ الصَّلَاةِ وَبَيْنَ قَصْدِنَا لِكَوْنِ ذَلِكَ قُرْبَةً أَوْ فَرْضًا أَوْ أَدَاءً فَالصِّفَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْإِيجَابِ وَالْكَسْبِ تُسَمِّي إرَادَةً، وَالصِّفَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِإِمَالَةِ ذَلِكَ الْفِعْلِ إلَى بَعْضِ مَا يَقْبَلُهُ تُسَمَّى نِيَّةً، وَتُفَارِقُ النِّيَّةُ الْإِرَادَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ النِّيَّةَ لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِفِعْلِ النَّاوِي، وَالْإِرَادَةَ تَتَعَلَّقُ بِفِعْلِ الْغَيْرِ كَمَا نُرِيدُ مَغْفِرَةَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِحْسَانَهُ وَلَيْسَتْ فِعْلَنَا انْتَهَى. مُخْتَصَرًا وَعَرَّفَهَا ابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّهَا صِفَةٌ تَتَعَلَّقُ بِإِمَالَةِ فِعْلِ الْإِنْسَانِ نَفْسِهِ إلَى بَعْضِ مَا يَقْبَلُهُ.
(الثَّانِي) فِي بَيَانِ مَحَلِّهَا مِنْ الْمُكَلَّفِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَمَحَلُّ النِّيَّةِ الْقَلْبُ، قَالَ الْمَازِرِيُّ: أَكْثَرُ الْمُتَشَرِّعِينَ وَأَقَلُّ الْفَلَاسِفَةِ عَلَى أَنَّ النِّيَّةَ فِي الْقَلْبِ، وَأَقَلُّ الْمُتَشَرِّعِينَ وَأَكْثَرُ الْفَلَاسِفَةِ عَلَى أَنَّهَا فِي الدِّمَاغِ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ أَنَّ الْعَقْلَ فِي الدِّمَاغِ وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: مَحَلُّهَا الْقَلْبُ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْعَقْلِ وَالْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ وَالْمَيْلِ وَالنَّفْرَةِ وَالِاعْتِقَادِ، وَعَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّ الْعَقْلَ فِي الدِّمَاغِ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ النِّيَّةَ فِي الدِّمَاغِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْرَاضَ كُلَّهَا أَعْرَاضُ النَّفْسِ وَالْعَقْلِ فَحَيْثُ وُجِدَتْ النَّفْسُ وُجِدَ الْجَمِيعُ قَائِمًا بِهَا، فَالْعَقْلُ سَجِينُهَا وَالْعُلُومُ وَالْإِرَادَاتُ صِفَاتُهَا وَيَدُلُّ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ تَعَالَى {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} [الحج: 46] {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم: 11] {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ} [المجادلة: 22] {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} [ق: 37] {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [البقرة: 7] وَلَمْ يَضِفْ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ إلَى الدِّمَاغِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْمَازِرِيِّ أَكْثَرُ الْمُتَشَرِّعِينَ إلَى آخِرِ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ عِيَاضٌ وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْقَرَافِيِّ أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ قَوْلُ مَالِكٍ وَقَالَ فِي كِتَابِ الْأُمْنِيَةِ: قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ: أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَأَقَلُّ الْفَلَاسِفَةِ عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ فِي الْقَلْبِ، وَأَكْثَرُ الْفَلَاسِفَةِ وَأَقَلُّ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ فِي الدِّمَاغِ مُحْتَجِّينَ بِأَنَّهُ إذَا أُصِيبَ الدِّمَاغُ فَسَدَ الْعَقْلُ وَبَطَلَتْ الْعُلُومُ وَالْفِكْرُ وَأَحْوَالُ النَّفْسِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ اسْتِقَامَةَ الدِّمَاغِ لَعَلَّهَا شَرْطٌ وَالشَّيْءُ يَفْسُدُ لِفَسَادِ شَرْطِهِ وَمَعَ الِاحْتِمَالِ فَلَا جَزْمَ بَلْ النُّصُوصُ وَارِدَةٌ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْقَلْبِ وَذَكَرَ الْآيَاتِ ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْعَقْلَ فِي الْقَلْبِ لَزِمَ عَلَى أُصُولِنَا أَنَّ النَّفْسَ فِي الْقَلْبِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ مَا يُنْسَبُ لِلْعَقْلِ مِنْ الْفِكْرِ وَالْعُلُومِ صِفَاتٌ لِلنَّفْسِ فَتَكُونُ النَّفْسُ فِي الْقَلْبِ عَمَلًا بِظَاهِرِ النُّصُوصِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنَّ النَّفْسَ هِيَ الرُّوحُ وَهِيَ الْعَقْلُ تُسَمَّى نَفْسًا بِاعْتِبَارِ مَيْلِهَا إلَى الْمَلَاذِّ وَالشَّهَوَاتِ وَرُوحًا بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِهَا بِالْجَسَدِ تَعَلُّقَ التَّدْبِيرِ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَقْلًا بِاعْتِبَارِ كَوْنِهَا مُحَصِّلَةً لِلْعُلُومِ فَصَارَ لَهَا ثَلَاثَةُ أَسْمَاءٍ بِاعْتِبَارِ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ وَالْمَوْصُوفُ وَاحِدٌ، وَإِذَا كَانَتْ النَّفْسُ فِي الْقَلْبِ كَانَتْ النِّيَّةُ وَأَنْوَاعُ الْعُلُومِ وَجَمِيعُ أَحْوَالِ النَّفْسِ فِي الْقَلْبِ، وَالْعِبَارَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي كِتَابِ الْأُمْنِيَةِ عَنْ الْمَازِرِيِّ لَمْ أَرَهَا فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ فِي الْكَلَامِ عَلَى النِّيَّةِ وَإِنَّمَا رَأَيْت الْعِبَارَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَنَقَلَهَا فِي الذَّخِيرَةِ وَلَعَلَّ الْعِبَارَةَ الْأُخْرَى ذَكَرَهَا الْمَازِرِيُّ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَزَادَ الْمَازِرِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْقَوْلَيْنِ: وَهَذَا أَمْرٌ لَا مَدْخَلَ لِلْعَقْلِ فِيهِ وَإِنَّمَا طَرِيقُهُ السَّمْعُ وَظَوَاهِرُ السَّمْعِ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ. وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ ثُمَّ قَالَ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْجِسْمَ قَالِبٌ لِلنَّفْسِ هِيَ فِيهِ كَالسَّيْفِ فِي الْغِمْدِ وَكَالسُّلْطَانِ الْجَالِسِ بِقُبَّتِهِ، وَالْقَلْبُ سَرِيرٌ وَالدِّمَاغُ كُرْسِيُّهُ، وَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الرَّأْسِ عَشْرَ حَوَاسَّ: خَمْسًا ظَاهِرَةً: الْعَيْنُ وَالْأُذُنُ وَالشَّمُّ وَالذَّوْقُ وَاللَّمْسُ وَيُشَارِكُهُ فِي هَذَا سَائِرُ الْبَدَنِ، وَخَمْسًا بَاطِنَةً: هِيَ الْحِسُّ الْمُشْتَرَكُ وَمَرْكَزُهُ مُقَدَّمُ الدِّمَاغِ، وَالْقُوَّةُ الْمُصَوَّرَةُ وَهِيَ أَعْلَى مِنْهُ، وَالْقُوَّةُ الْخَيَالِيَّةُ وَهِيَ فِي وَسَطِ الدِّمَاغِ، وَالْقُوَّةُ الْحَافِظَةُ فِي مُؤَخَّرِ الدِّمَاغِ، وَالْقُوَّةُ الْوَهْمِيَّةُ أَعْلَى مِنْهَا.

اسم الکتاب : مواهب الجليل في شرح مختصر خليل المؤلف : الرعيني، الحطاب    الجزء : 1  صفحة : 231
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست