responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فقه العبادات على المذهب المالكي المؤلف : كوكب عبيد    الجزء : 1  صفحة : 59
[5]- بلوغ الدعوة. -[59]-
الفصل الثاني
فرائض الوضوء
فرائض الوضوء ويقال لها أيضاً أركان الوضوء؛ فالفرض مرادف للركن في اصطلاح الفقهاء ويختلف عن الشرط؛ إذ أن الركن أو الفرض هو ما كان من حقيقة الشيء والشرط هو ما توقف عليه وجود الشيء ولم يكن من حقيقته.
وفرائض الوضوء الثابتة في كتاب اللَّه تعالى والمتفق عليها عند الأئمة أربعةٌ هي: غسل الوجه وغسل اليدين إلى المرفقين ومسح الرأس وغسل الرجلين إلى الكعبين. ودليلها قوله تعالى: {يا أيها الذين أمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين} [1] . وقد قال الإمام مالك بفرضية الدلك والموالاة والنية أيضاً. ففرائض الوضوء إذن سبعة هي:
أولاً - النية:
تعريفها: هي القصد إلى فعل مخصوص.
محلها: القلب.
دليلها: حديث عمر بن الخطاب رضي اللَّه عَنهُ قال: قال رسول اللَّه صَلى اللَّه عَليه وسَلم: (إنما الأعمال بالنية، وإنما لامرئٍ ما نوى) [2] . -[60]-
زمانها: عند أول مغسول مفروض وسُن أن يكون الوجه، أما السنن المتقدمة على غسل الوجه فلها نية منفردة. وإن ذكر المكلف نية الفرائض عند ابتداء السنن وظل مصطحباً هذه النية إلى البدء بأول فرض من فرائض الوضوء صحت نيته.
صيغتها: يجب أن يقصد رفع الحدث الأصغر، أو استباحة ما منعه الحدث الأصغر، أو قصد أداء فرائض الوضوء؛ وتجزئ إن صَاحَبَها نية رفع الخبث عن اليد أو الرجل مثلاً. أما إذا نوى استباحة ما تندب له الطهارة كقراءة القرآن أو زيادة صالح ... الخ دون أن ينوي رفع الحدث فإنه لا يرتفع حدثه.
ولا يشترط التلفظ بالنية كما لا يشترط استحضارها إلى آخر الوضوء، فإن ذهل عنها أثناءه فإن الوضوء لا يبطل، بخلاف الرفض أثناء الوضوء، بأن يقول أثناء وضوئه أبطلت وضوئي، فإنه يبطل على الراجح. أما بعد انتهاء الوضوء فلا يضره رفضه، ويجوز له أن يصلي به؛ إذ ليس من نواقض الوضوء إبطاله بعد الفراغ منه.
شروطها: الإسلام، والتميز، والجزم. فإن تردد في النية فإنها لا تصح، كأنه يقول في نفسه: نويت الوضوء إن كنت أحدثت، فلا تصح.
ثانياً: غسل الوجه:
وحدهَّ طولاً، من منابت شعر الرأس المعتاد (خرج بالمعتاد الأصلع، والأغم وهو من نزل شعره جهة حاجبه) إلى منتهى الذقن فيمن لا لحية له، أو إلى منتهى اللحية فيمن له لحية. وحدُّه عرضاً من وتد الأذن إلى الوتد الآخر.
ولا بد من إدخال جزء يسير من الرأس لأنه مما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
ولا يدخل الوتدان في الوجه، ولا البياض الذي فوقهما لأنه ليس من الوجه بل يجب مسحه لأنه من الرأس، كما لا يدخل شعر الصدغين لأنه من الرأس. ويدخل البياض الذي تحت الوتدين لأنه من الوجه.
وينبغي في غسل الوجه مراعة غسل أسارير الجبهة وهي الانكماشات، وغسل وَتَرَ الأنف، وهي الحاجز بين طاقتي الأنف، وغسل ظاهر الشفتين، وغسل ما غار من جفن أو غيره؛ بتغميض -[61]- العينين تغميضاً شديداً، وكذا غسل أثر جرح غار، وتخليل شعر الوجه من عارضين [3] ولحية وعنفقة [4] وغمم [5] وحاجبين وشاربين، إذا كان الشعر خفيفاً وتُرى البشرة من خلاله. والمراد بالتخليل إيصال الماء للبشرة بالدلك على ظاهره، وأما الشعر الكثيف فلا يجب عليه تخليله، أي إيصال الماء للبشرة تحته، بل يكفي غسل ظاهره لكن لا بد من تحريكه كي يدخل الماء من خلاله.
ثالثاً: غسل اليدين مع المرفقين:
ويتضمن ذلك وجوب غسل ما على اليدين من إصبع زائد، وتخليل أصابع اليد بالأخرى لحديث لقيط بن صبرة رضي اللَّه عَنهُ عن النبي صَلى اللَّه عَليه وسَلم وفيه: (أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) [6] ، ويجب ملاحظة غسل تكاميش الأنامل والبراجم، ولا يجب تحريك الخاتم المسموح فيه شرعاً سواء كان الخاتم واسعاً أو ضيقاً، أما إن كان الخاتم غير مسموح فيه شرعاً، كخاتم الذهب أو المتعدد للرجل، فلا بد من نزعه ما لم يكن واسعاً يدخل الماء تحته، فيكفي تحريكه، ولا فرق بين الحرام، كالذهب، أو المكروه كخاتم النحاس أو الحديد، وإن كان المحرم يجب نزعه وعدم استعماله على كل حال، من حيث أنه حرام.
وإذا التصق شيء بيده أو بأصل ظفره من طين أو عجين، فإنه يجب عليه إزالته وإيصال الماء إلى أصل الظفر (وهو القدر الملتصق بلحم الإصبع) ، أما ما تحت الظفر من درن ووسخ، فإنه يعفى عنه ما لم يتفاحش. وإذا قطع بعض اليد وجب باقيها، وإذا قطع محل الفرض كله سقط الغسل.
ودليل وجوب غسل المرفقين مع اليدين. قوله تعالى: {وأيديكم إلى المرافق} ، وحديث نعيم بن عبد اللَّه المُجْمِر قال: (رأيت أبا هريرة يتوضأ، فغسل وجهه فأسبغ الوضوء، ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد، ثم يده اليسرى حتى أشرع في العضد، ثم مسح رأسه، ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق، ثم غسل رجله اليسرى حتى أشرع في الساق، ثم قال: هكذا رأيت رسول اللَّه صَلى اللَّه عَليه وسَلم يتوضأ) [7] . وفعله صَلى اللَّه عَليه وسَلم بيان للوضوء المأمور به، ولم ينقل تركه ذلك. -[62]-
رابعاً: مسح جميع الرأس:
وذلك بمسح ما على الجمجمة منشعر أو جلد. وحدُّه: من منابت شعر الرأس المعتاد من الأمام إلى نقرة القفا من الخلف، ويدخل فيها شعر الصدغين، والبياض الذي خلفه فوق وتدي الأذنين، والبياض الذي فوق الأذنين المتصل بالرأس، وكذا مسح ما استرخى من الشعر مهما طال نظراً لأصله مع مسح باطن الشعر وجوباً وذلك برد اليدين من القفا إلى الأمام إذ لا يحصل التعميم إلا بالرد. روى يحيى المازني (أن رجلاً قال لعبد اللَّه بن زيد أتستطيع أن ترني كيف كان رسول اللَّه صَلى اللَّه عَليه وسَلم يتوضأ؟ فقال عبد اللَّه بن زيد: نعم، فدعا بماء ... ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه ... ) [8] .
ولا يشترط بالمسح نقض الضفائر أو نقض ما جمع من الشعر بدون تضفير، سواء للذكر أو للأنثى، ولو كانت الضفائر مشدودة، ما لم تكن مضفورة بخيوط كثيرة تمنع مسح الشعر، فعندها يجب نقضها - هذا في الوضوء - أما في الغسل فلا بد فيه من نقض ما اشتد ضفره ويجزئ غسل ما على الجمجمة عن المسح، لأنه مسح وزيادة، إلا أنه مكروه لأن اللَّه تعالى أمر بالمسح لا بالغسل. وإذا مسح شعر رأسه ثم أزاله فإنه لا يجب إعادة المسح حتى ولو كشط الجلد بعد المسح.
وفي الموطأ عن مالك رضي اللَّه عَنهُ قال: بلغني عن جابر بن عبد اللَّه أنه سئل عن المسح على العمامة فقال: (لا حتى يمسح الشعرُ بالماء) [9] .
خامساً: غسل الرجلين مع الكعبين:
أي غسل القدمين مع إدخال الكعبين في الغسل، وهما العظمان البارزان أسفل الساق، ويجب تعهد ما تحتهما من عرقوب وأخمص - وهو باطن القدم - وسائر المغابن والشقوق التي في باطن القدم وظاهره. والدليل على دخول الكعبين في غسل الرجلين حديث أبي هريرة المتقدم: ( ... ثم غسل رجله اليمن حتى أشرع في الساق ... ) .
وإذا قطع محل الفرض كله سقط التكليف. ويندب تخليل الأصابع (وقيل بوجوبه، والمشهور وجوبه في اليدين وندبه في الرجلين) بحيث يبدأ ندباً بسبابة اليد اليسرى تخليل أصابع قدم اليمنى من الخنصر إلى الإبهام، ثم يبدأ بإبهام القدم اليسرى ويختم بخنصرها، وذلك من أسفل الأصابع -[63]- إلى أعلاها مع دلك خفيف باليد. لحديث المستورد بن شداد رضي اللَّه عنه قال: (رأيت رسول اللَّه صَلى اللَّه عَليه وسَلم توضأ فخلل أصابع رجليه بخنصره) [10] ، ولحديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما أن رسول اللَّه صَلى اللَّه عَليه وسَلم قال: (إذا توضأت فخلل أصابع يديك ورجليك) [11] .
سادساً: الموالاة (على أحد القولين المشهورين) :
ويعبر عنها بالفورية، أي يفترض على المتوضئ أن ينتقل إلى غسل العضو قبل أن يجف الذي قبله، سواء كان مغسولاً أو ممسوحاً، عند اعتدال الزمان (وهو أن يكون في فصل لا يترتب عليه جفاف الماء بحالة غير معتادة) والمكان (أي أن لا يكون في مكان فيه حر أو برد شديدان يجففان الماء) والمزاج (وهو أن لا يكون في طبيعة الشخص ما يوجب تجفيف الماء بسرعة) ، فقد صح عن بعض أصحاب النبي صَلى اللَّه عَليه وسَلم (أنه صَلى اللَّه عَليه وسَلم رأى رجلاً يصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء، فأمره النبي صَلى اللَّه عَليه وسَلم أن يعيد الوضوء والصلاة) [12] . ويُحمل الحديث على من فعل ذلك عامداً أو مفرطاً عاجزاً.
ويُشترط لفرض الموالاة شرطان:
الأول: أن يكون المتوضئ ذاكراً، أما إن فرق بين أعضاء الوضوء ناسياً، فإنه يبني على وضوئه ويتمه سواء طال الفصل أم قصر. وكذا من نسي عضواً من أعضاء الوضوء أو ترك لمعة في أثناء الوضوء ناسياً، فإن طال الفصل اقتصر على فعل المنسي ولا يعيد ما بعده من الأعضاء، أما إن لم يطل الفصل (أي لم يجف العضو بعد) فإنه يفعل المنسي ويعيد ما بعده استناناً لأجل تحصيل سنة الترتيب.
الثاني: أن يكون المتوضئ قادراً على الموالاة، فإن فرّق بين غسل الأعضاء لعجزه عن الموالاة غير مفرط، فتسقط عنه الفورية، ويكون حكمه كحكم الناسي، ومثال ذلك أن يحضر المكلف الماء الكافي - باعتقاده - للوضوء ثم يظهر عدم كفايته، أو يهراق الماء، أو يُغضب منه، ويحتاج إلى ماء آخر ليكمل به وضوءه، فينتظر مدة تجف بها الأعضاء التي غسلها، فعند حضور -[64]- الماء يبني على ما فعل ويتم وضوءه ولو طال الفصل. أما إذا كان عاجزاً مفرطاً، كمن أحضر من الماء مالا يكفي لوضوئه، فإنه يبني على ما فعل ما لم يطل الفصل، وإلا صار حكمه حكم من فرق بين أعضاء الوضوء عامداً لا ناسياً ولا عاجزاً، فيبطل الوضوء ويجب عليه إعادته من جديد.
سابعاً: دلك الأعضاء:
وهو إمرار اليد (باطن الكف) على العضو المبتل، ولو بعد صب الماء عليه مرة واحدة وقبل جفافه، ويندب أن يكون خفيفاً، ويكره التشديد والتكرار، لما فيه من التعمق المؤدي للوسوسة. واستدل مالك رضي اللَّه عَنهُ على فرضية الدلك بقوله تعالى في آية الوضوء (فاغسلوا) ، لأن الغسل لغة هو إسالة الماء على العضو مع إمرار اليد عليه، وبفعله صَلى اللَّه عَليه وسَلم في صفة وضوئه، فعن عباد بن تميم عن عمه عبد اللَّه بن زيد: (أن النبي صَلى اللَّه عَليه وسَلم توضأ فجعل يقول هكذا يُدْلك) (14) ، فلا يتحقق الغسل بدون الدلك، وإنما عُدَّ فرضاً على حدة، للمبالغة في الحث عليه.

[1] المائدة: 6.
[2] مسلم: ج 3/كتاب الإمارة باب 45/155.
[3] العارض: الشعر الذي بين اللحية والعذر (وهو الشعر المحاذي للأذنين) .
[4] العنفقة: الشعر النابت تحت الشفة السفلى.
[5] الغمم: الشعر النابت على الجبهة.
[6] أبو داود: ج 1/ كتاب الطهارة باب 55/142.
[7] مسلم: ج 1/ كتاب الطهارة باب 12/34.
[8] البخاري: ج 3/كتاب الوضوء باب 37/183.
[9] الموطأ: ص 33.
[10] ابن ماجة: ج 1/ كتاب الطهارة باب 45/644.
[11] الترمزي: ج 1/الطهارة باب 30/93.
[12] أبو داود: ج 1/ كتاب الطهارة باب 67/175.
(13) مسند الإمام أحمد: ج 4/39.
اسم الکتاب : فقه العبادات على المذهب المالكي المؤلف : كوكب عبيد    الجزء : 1  صفحة : 59
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست