responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني المؤلف : الصعيدي العدوي، علي    الجزء : 1  صفحة : 124
وَضَّحُوا لَنَا السَّبِيلَ فَجَزَاهُمْ اللَّهُ عَنَّا أَحْسَنَ جَزَاءٍ.

(وَ) كَذَلِكَ (تَرْكُ الْمِرَاءِ وَالْجِدَالِ فِي الدِّينِ) وَاجِبٌ، وَالْمُرَادُ جَحْدُ الْحَقِّ بَعْدَ ظُهُورِهِ وَدَفْعُهُ بِالْبَاطِلِ، وَالْجِدَالُ مُنَاظَرَةُ أَهْلِ الْبِدَعِ، وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْبَسْطِ مَعَهُمْ وَالطَّعْنِ فِي الصَّحَابَةُ وَإِيقَاعِ الشُّبْهَةِ فِي الْقَلْبِ.
قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنَّ هَذَا الْجِدَالَ لَيْسَ مِنْ الدِّينِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَضَّحُوا لَنَا السَّبِيلَ] هَذِهِ الْعِلَّةُ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَنْ سَلَفَ مِنْ الْأُمَّةِ، وَوَضَّحَ الطَّرِيقَ فَيَشْمَلُ الصَّحَابَةَ وَغَيْرَهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَلَا يَشْمَلُ مَنْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ تَوْضِيحٌ مِمَّنْ ذُكِرَ فَلَا يُفِيدُ الْمُدَّعَى الَّذِي هُوَ وُجُوبُ طَلَبِ الِاسْتِغْفَارِ لِلسَّلَفِ الصَّالِحِ الْمُتَبَادَرِ مِنْهُ الْإِطْلَاقُ، فَإِنْ قُلْت: لَا يُنْتِجُ كَوْنُهُمْ وَضَّحُوا السَّبِيلَ وُجُوبَ الِاسْتِغْفَارِ، قُلْت: يُنْتِجُ بِشَهَادَةِ مَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: إذَا لَمْ تَشْكُرْ مَنْ هِيَ عَلَى يَدِهِ لَمْ تَشْكُرْنِي إنْ حُمِلَ خُصُوصُ الشُّكْرِ عَلَى الدُّعَاءِ لَهُمْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ تَأْثَمُ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ شُكْرَ الْمُنْعِمِ وَاجِبٌ.

[قَوْلُهُ: الْمِرَاءِ] بِالْمَدِّ كَمَا فِي اللَّقَانِيِّ وَنُسْخَةٌ مُعْتَمَدَةٌ مِنْ الصِّحَاحِ. [قَوْلُهُ: فِي الدِّينِ] اُحْتُرِزَ بِذَلِكَ مِمَّا إذَا كَانَ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهُمَا جَائِزَانِ فِي أَحْوَالِهَا كَمَا ذَكَرَهُ اللَّقَانِيُّ عَنْ بَعْضِ شُرَّاحِ هَذَا الْمَتْنِ، وَتَأَمَّلْ ذَلِكَ مَعَ تَفْسِيرِ الشَّارِحِ الْآتِي ذِكْرُهُ [قَوْلُهُ: وَالْمِرَاءُ] جَحْدُ الْحَقِّ إلَخْ هَذَا مَعْنَاهُ اصْطِلَاحًا، وَأَمَّا مَعْنَاهُ لُغَةً فَهُوَ الِاسْتِخْرَاجُ مِنْ مَرَيْتُ الْفَرَسَ إذَا اسْتَخْرَجْتُ مَا عِنْدَهَا مِنْ الْجَرْيِ أَوْ غَيْرِهِ، فَكَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَمَارِيَيْنِ يَمْرِي مَا عِنْدَ صَاحِبِهِ أَيْ يَسْتَخْرِجُ، هَكَذَا ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمِرَاءَ بِتَفْسِيرِهِ لَيْسَ فِيهِ اسْتِخْرَاجٌ؛ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ: جَحْدُ الْحَقِّ بَعْدَ ظُهُورِهِ وَلَيْسَ اسْتِخْرَاجًا حِينَئِذٍ، فَلَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَالِاصْطِلَاحِيِّ، وَكَذَلِكَ لَا يَخْفَى أَنَّهُ بِهَذَا التَّفْسِيرِ لَا يَكُونُ حَرَامًا فَتَأَمَّلْ. [قَوْلُهُ: جَحْدُ الْحَقِّ] أَيْ إنْكَارُ الْحَقِّ. وَقَوْلُهُ: بَعْدَ ظُهُورِهِ لَا حَاجَةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ: فِي إنْكَارِ الْحَقِّ جَحْدٌ إلَّا بَعْدَ الظُّهُورِ كَمَا أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ، فَهُوَ تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ الْتِزَامًا. [قَوْلُهُ: وَدَفْعُهُ] لَازِمٌ لِمَا قَبْلَهُ أَوْ عَيْنَهُ وَقَوْلُهُ: بِالْبَاطِلِ تَأْكِيدٌ. [قَوْلُهُ: وَالْجِدَالُ مُنَاظَرَةُ أَهْلِ الْبِدَعِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ حَرَامٌ لِمَا ذَكَرَهُ وَهُوَ التَّأْدِيَةُ لِلطَّعْنِ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ، لَكِنَّ هَذَا إذَا كَانَتْ التَّأْدِيَةُ الْمَذْكُورَةُ يُجْزَمُ بِهَا أَوْ يُظَنُّ، وَانْظُرْ فِي حَالَةِ الشَّكِّ، وَالظَّاهِرُ الْحُرْمَةُ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْحَظْرِ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ بَيْنَ الْمِرَاءِ وَالْجِدَالِ التَّبَايُنَ عَلَى كَلَامِهِ وَأَنَّهُمَا حَرَامَانِ وَلَيْسَ لَهُمَا حَالَةٌ جَائِزَةٌ.
[قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْبَسْطِ مَعَهُمْ] أَيْ يُؤَدِّي إلَى تَوْسِعَةِ الْكَلَامِ مَعَهُمْ وَهِيَ مُضِرَّةٌ [قَوْلُهُ: وَالطَّعْنِ فِي الصَّحَابَةِ] أَيْ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لَا فِي كُلِّهَا. [قَوْلُهُ: وَإِيقَاعِ الشُّبْهَةِ فِي الْقَلْبِ] الشُّبْهَةُ مَا يُظَنُّ دَلِيلًا وَلَيْسَ بِدَلِيلٍ، أَيْ فَيُعْتَقَدُ حَقِيقَتُهَا فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ صِحَّةُ دَعْوَاهُمْ عِنْدَ النَّاشِئَةِ مِنْ تِلْكَ الشُّبْهَةِ. [قَوْلُهُ: إنَّ هَذَا الْجِدَالَ] الْمُشَارَ إلَيْهِ مُنَاظَرَةُ أَهْلِ الْبِدَعِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ عَبْدِ الْوَهَّابِ [قَوْلُهُ: لَيْسَ مِنْ الدِّينِ] أَيْ بَلْ مَا يُنَافِي الدِّينَ كَمَا تَبَيَّنَ مِمَّا تَقَرَّرَ [قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْجِدَالِ] أَيْ لَا بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ بَلْ بِمَعْنًى آخَرَ ذَكَرَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ حَيْثُ قَالَ: الْجِدَالُ مُقَابَلَةُ الْحُجَّةِ بِالْحُجَّةِ، وَعَلَيْهِ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ لَا لِإِظْهَارِ حَقٍّ فَهُوَ مَذْمُومٌ، وَإِنْ كَانَ لِإِظْهَارِ حَقٍّ فَهُوَ مَحْمُودٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] وَخُلَاصَةُ الْمَقَامِ أَنَّ بَيْنَ الْمِرَاءِ وَالْجِدَالِ التَّبَايُنَ عَلَى مَا فُسِّرَ أَوَّلًا وَلَا يَكُونَانِ إلَّا حَرَامَيْنِ، وَعَلَى كَلَامِ ابْنِ الْأَثِيرِ الَّذِي يُشِيرُ لَهُ الشَّارِحُ هُنَا تَارَةً وَيَكُونُ حَرَامًا وَتَارَةً يَكُونُ غَيْرَ حَرَامٍ بَلْ مَحْمُودٌ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَا حَاصِلُهُ: أَنَّ الْجِدَالَ تَارَةً يَكُونُ حَرَامًا إنْ اسْتَلْزَمَ مَفْسَدَةً، وَتَارَةً مَنْدُوبًا أَوْ وَاجِبًا إنْ اسْتَلْزَمَ مَصْلَحَةً بِحَسَبِ الْأَحْوَالِ، وَتَارَةً مُبَاحًا إنْ لَمْ يَسْتَلْزِمْهُمَا، وَفَسَّرَ تت الْجِدَالَ بِأَنَّهُ تَفَاوُضٌ يَجْرِي بَيْنَ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا لِتَحْقِيقِ حَقٍّ أَوْ إبْطَالِ بَاطِلٍ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فَقِيلَ: الْمِرَاءُ هُوَ نَفْسُ الْجِدَالِ الْمُفَسَّرِ بِمَا ذُكِرَ، وَقِيلَ: الْمِرَاءُ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ وَالْجِدَالُ مَعَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ.
أَقُولُ: وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فِي كَلَامِ تت يَكُونَانِ بِحَسَبِ الْحَقِيقَةِ مُتَرَادِفَيْنِ وَإِنْ اخْتَلَفَا بِحَسَبِ الْمَنَاظِرِ مَعَهُ.

اسم الکتاب : حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني المؤلف : الصعيدي العدوي، علي    الجزء : 1  صفحة : 124
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست