responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بداية المجتهد ونهاية المقتصد المؤلف : ابن رشد الحفيد    الجزء : 1  صفحة : 90
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ هَلْ يُغْسَلُ الذَّكَرُ كُلُّهُ مِنَ الْمَذْيِ أَمْ لَا؟ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ الْمَشْهُورِ، وَقَدْ سُئِلَ عَنِ الْمَذْيِ فَقَالَ: «يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ» ، وَسَبَبُ الْخِلَافِ فِيهِ هَلْ هُوَ الْوَاجِبُ هُوَ الْأَخْذُ بِأَوَائِلِ الْأَسْمَاءِ أَوْ بِأَوَاخِرِهَا؟ فَمَنْ رَأَى أَنَّهُ بِأَوَاخِرِهَا (أَعْنِي: بِأَكْثَرِ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ) قَالَ: بغْسَلُ الذَّكَرُ كُلُّهُ، وَمَنْ رَأَى الْأَخْذَ بِأَقَلِّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ قَالَ: إِنَّمَا يُغْسَلُ مَوْضِعُ الْأَذَى فَقَطْ قِيَاسًا عَلَى الْبَوْلِ، وَالْمَذْيِ.

[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي الشَّيْءِ الَّذِي تُزَالُ بِهِ النجاسات]
الْبَابُ الرَّابِعُ: فِي الشَّيْءِ الَّذِي تُزَالُ بِهِ وَأَمَّا الشَّيْءُ الَّذِي بِهِ تُزَالُ، فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الطَّاهِرَ الْمُطَهِّرَ يُزِيلُهَا مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْمَحَالِّ، وَاتَّفَقُوا أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْحِجَارَةَ تُزِيلُهَا مِنَ الْمَخْرَجَيْنِ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْمَائِعَاتِ وَالْجَامِدَاتِ الَّتِي تُزِيلُهَا.
فَذَهَبَ قَوْمٌ: إِلَى أَنَّ مَا كَانَ طَاهِرًا يُزِيلُ عَيْنَ النَّجَاسَةِ مَائِعًا كَانَ أَوْ جَامِدًا فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَتْ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَقَالَ قَوْمٌ: لَا تُزَالُ النَّجَاسَةُ بِمَا سِوَى الْمَاءِ إِلَّا فِي الِاسْتِجْمَارِ فَقَطِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي إِزَالَتِهَا فِي الِاسْتِجْمَارِ بِالْعَظْمِ وَالرَّوَثِ، فَمَنَعَ ذَلِكَ قَوْمٌ، وَأَجَازَ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُنَقِّي، وَاسْتَثْنَى مَالِكٌ مِنْ ذَلِكَ مَا هُوَ مَطْعُومٌ ذُو حُرْمَةٍ كَالْخُبْزِ، وَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ فِيمَا فِي اسْتِعْمَالِهِ سَرَفٌ كَالذَّهَبِ وَالْيَاقُوتِ.
وَقَوْمٌ قَصَرُوا الْإِنْقَاءَ عَلَى الْأَحْجَارِ فَقَطْ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الظَّاهِرِ، وَقَوْمٌ أَجَازُوا الِاسْتِنْجَاءَ بِالْعَظْمِ دُونَ الرَّوَثِ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا عِنْدَهُمْ، وَشَذَّ الطَّبَرِيُّ، فَأَجَازَ الِاسْتِجْمَارَ بِكُلِّ طَاهِرٍ وَنَجِسٍ.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِمَا عَدَا الْمَاءَ فِيمَا عَدَا الْمَخْرَجَيْنِ هُوَ: هَلِ الْمَقْصُودُ بِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِالْمَاءِ هُوَ إِتْلَافُ عَيْنِهَا فَقَطْ فَيَسْتَوِيَ فِي ذَلِكَ مَعَ الْمَاءِ كُلُّ مَا يُتْلِفُ عَيْنُهَا؟ أَمْ لِلْمَاءِ فِي ذَلِكَ مَزِيدُ خُصُوصٍ لَيْسَ بِغَيْرِ الْمَاءِ، فَمَنْ لَمْ يَظْهَرْ عِنْدَهُ لِلْمَاءِ مَزِيدُ خُصُوصٍ قَالَ بِإِزَالَتِهَا بِسَائِرِ الْمَائِعَاتِ وَالْجَامِدَاتِ الطَّاهِرَةِ، وَأَيَّدَ بِهَذَا الْمَفْهُومَ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى إِزَالَتِهَا مِنَ الْمَخْرَجَيْنِ بِغَيْرِ الْمَاءِ، وَبِمَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ «إِنِّي امْرَأَةٌ أُطِيلُ ذَيْلِي وَأَمْشِي فِي الْمَكَانِ الْقَذِرِ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " يُطَهِّرُهُ مَا بَعْدَهُ» .
وَكَذَلِكَ بِالْآثَارِ الَّتِي خَرَّجَهَا أَبُو دَاوُدَ فِي هَذَا مِثْلَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إِذَا وَطِئَ أَحَدُكُمُ الْأَذَى بِنَعْلَيْهِ فَإِنَّ التُّرَابَ لَهُ طَهُورٌ» إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا رُوِيَ فِي هَذَا الْمَعْنَى.

اسم الکتاب : بداية المجتهد ونهاية المقتصد المؤلف : ابن رشد الحفيد    الجزء : 1  صفحة : 90
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست