responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بداية المجتهد ونهاية المقتصد المؤلف : ابن رشد الحفيد    الجزء : 1  صفحة : 10
التَّنْبِيهُ بِالْأَعْلَى عَلَى الْأَدْنَى، وَبِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى، وَبِالْمُسَاوِي عَلَى الْمُسَاوِي ; فَمِثَالُ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: 3] .
فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ لَفْظَ الْخِنْزِيرِ مُتَنَاوِلٌ لِجَمِيعِ أَصْنَافِ الْخَنَازِيرِ مَا لَمْ يَكُنْ يُقَالُ عَلَيْهِ الِاسْمُ بِالِاشْتِرَاكِ، مِثْلَ خِنْزِيرِ الْمَاءِ.
وَمِثَالُ الْعَامِّ يُرَادُ بِهِ الْخَاصُّ: قَوْله تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] ، فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنْ لَيْسَتِ الزَّكَاةُ وَاجِبَةً فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْمَالِ.
وَمِثَالُ الْخَاصِّ يُرَادُ بِهِ الْعَامُّ: قَوْله تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] ، وَهُوَ مِنْ بَابِ التَّنْبِيهِ بِالْأَدْنَى إِلَى الْأَعْلَى، فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ هَذَا تَحْرِيمُ الضَّرْبِ وَالشَّتْمِ وَمَا فَوْقَ ذَلِكَ، وَهَذِهِ إِمَّا أَنْ يَأْتِيَ الْمُسْتَدْعَى بِهَا فِعْلُهُ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ، وَإِمَّا أَنْ يَأْتِيَ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ يُرَادُ بِهِ الْأَمْرُ، وَكَذَلِكَ الْمُسْتَدْعَى تَرْكُهُ، إِمَّا أَنْ يَأْتِيَ بِصِيغَةِ النَّهْيِ، وَإِمَّا أَنْ يَأْتِيَ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ يُرَادُ بِهِ النَّهْيُ، وَإِذَا أَتَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ بِهَذِهِ الصِّيَغِ، فَهَلْ يُحْمَلُ اسْتِدْعَاءُ الْفِعْلِ بِهَا عَلَى الْوُجُوبِ أَوْ عَلَى النَّدْبِ - عَلَى مَا سَيُقَالُ فِي حَدِّ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ إِلَيْهِ - أَوْ يُتَوَقَّفُ حَتَّى يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَحَدِهِمَا؟ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ خِلَافٌ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَكَذَلِكَ الْحَالُ فِي صِيَغِ النَّهْيِ، هَلْ تَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ أَوِ التَّحْرِيمِ، أَوْ لَا تَدُلُّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا؟ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ أَيْضًا.
وَالْأَعْيَانُ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا الْحُكْمُ إِمَّا أَنْ يُدَلَّ عَلَيْهَا بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ فَقَطْ وَهُوَ الَّذِي يُعْرَفُ فِي صِنَاعَةِ أُصُولِ الْفِقْهِ بِالنَّصِّ، وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ، وَإِمَّا أَنْ يُدَلَّ عَلَيْهَا بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مَعْنًى وَاحِدٍ، وَهَذَا قِسْمَانِ: إِمَّا أَنْ تَكُونَ دَلَالَتُهُ عَلَى تِلْكَ الْمَعَانِي بِالسَّوَاءِ، وَهُوَ الَّذِي يُعْرَفُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ بِالْمُجْمَلِ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يُوجِبُ حُكْمًا، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ دَلَالَتُهُ عَلَى بَعْضِ تِلْكَ الْمَعَانِي أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ، وَهَذَا يُسَمَّى بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْمَعَانِي الَّتِي دَلَالَتُهُ عَلَيْهَا أَكْثَرُ ظَاهِرًا، وَيُسَمَّى بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْمَعَانِي الَّتِي دَلَالَتُهُ عَلَيْهَا أَقَلُّ مُحْتَمِلًا. وَإِذَا وَرَدَ مُطْلَقًا حُمِلَ عَلَى تِلْكَ الْمَعَانِي الَّتِي هُوَ أَظْهَرُ فِيهَا حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى حَمْلِهِ عَلَى الْمُحْتَمِلِ، فَيَعْرِضُ الْخِلَافُ لِلْفُقَهَاءِ فِي أَقَاوِيلِ الشَّارِعِ، لَكِنَّ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ ثَلَاثَةِ مَعَانٍ: مِنْ قِبَلِ الِاشْتِرَاكِ فِي لَفْظِ الْعَيْنِ الَّذِي عُلِّقَ بِهِ الْحُكْمُ، وَمِنْ قِبَلِ الِاشْتِرَاكِ فِي الْأَلِفِ وَاللَّامِ الْمَقْرُونَةِ بِجِنْسِ تِلْكَ الْعَيْنِ، هَلْ أُرِيدَ بِهَا الْكُلُّ أَوِ الْبَعْضُ؟ وَمِنْ قِبَلِ الِاشْتِرَاكِ الَّذِي فِي أَلْفَاظِ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي.
وَأَمَّا الطَّرِيقُ الرَّابِعُ فَهُوَ أَنْ يُفْهَمَ مِنْ إِيجَابِ الْحُكْمِ لِشَيْءٍ مَا نَفْيُ ذَلِكَ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَا ذَلِكَ الشَّيْءَ، أَوْ مَا نَفْيُ الْحُكْمِ عَنْ شَيْءٍ مَا إِيجَابُهُ لِمَا عَدَا ذَلِكَ الشَّيْءَ الَّذِي نُفِيَ عَنْهُ، وَهُوَ الَّذِي يُعْرَفُ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ، وَهُوَ أَصْلٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، مِثْلَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي سَائِمَةِ

اسم الکتاب : بداية المجتهد ونهاية المقتصد المؤلف : ابن رشد الحفيد    الجزء : 1  صفحة : 10
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست